فنان مثقف وشامل ، يمتلك كافة أدواته الابداعية ويقودها نحو حرفية تمثيلية عالية المستوى أهلته لتبوء مكانة مميزة في الدراما والسينما السورية ، كما حققت له جماهيرية واسعة في العالم العربي ، هو الممثل والمخرج السوري الكبير بسام كوسا ، الذي لمع في عشرات الأعمال الدرامية والسينمائية ، كما أخرج عددا من المسرحيات ، بالإضافة إلى أنه فنان تشكيلي ، تخرج في كلية الفنون الجميلة بحلب ، واستفاد من دراسته في رسم شخصياته الصعبة والمركبة ، وأهمها كانت في مسلسلات مثل: "الخوالي" و"ليالي الصالحية" و"أيام شامية" و" باب الحارة" و"الفصول الأربعة" وغيرها من الأعمال التلفزيونية ، والتي راوحت بين الكوميدي والتاريخي والاجتماعي المعاصر ، أما أهم الأفلام التي قام ببطولتها فكانت: "كومبارس" و"نسيم الروح" و"تراب الغرباء" ، وقد عرضت الأسبوع الماضي في الهيئة الملكية للأفلام ، وقد حضر الفنان بسام كوسا عرض الختام ، حيث كان لـ "الدستور" معه حوارا تناول مسلسل "وراء الشمس" ، الذي يعرض حاليا على عدد من القنوات ويؤدي فيه كوسا دور المعاق ذهنيا وعقليا ، كما تناول قضايا ذات علاقة بمستقبل السينما السورية وغيرها.
* "وراء الشمس" مسلسل يحظى بنسبة إقبال كبيرة واهتمام صحفي وإعلامي لافت ، حدثنا عن شخصيتك في العمل ، وما هي الصعوبات التي تواجه الفنان في أداء مثل تلك الأدوار التي تحتاج لقدرات استثنائية في الأداء وتقمص الشخصية؟
- في الواقع كل دور يلعبه الفنان له خصوصية وطريقة بناء وطرح مختلفة ، وأنا أؤمن أن الدور ، بكل حيثياته وتفاصيله ، هو الذي يفرض على الفنان سلوكه وطريقة تجسيده للشخصية ، وأنا من الفنانين الذين يرفضون انتقاء الدور وطريقة تمثيله ، وأرفض التعامل مع أي دور بفوقية ، كما يفعل بعض النجوم ، أما بالنسبة لشخصية "بدر" في مسلسل "وراء الشمس" ، وهو المصاب بمرض التوحد ، فقد منحني ذلك الدور مخزونا معرفيا كبيرا للغاية ، وقادني للتعرف أكثر على تلك الفئة من المجتمع التي تعاني من مشاكل عقلية وعصبية كبيرة ومعقدة لكنها تبدع في بعض المجالات وتتفاعل مع محيطها الاجتماعي والإنساني ، وقبل الشروع في التمثيل بأشهر قرأت الكثير من الكتب والمراجع عن مرضى التوحد ، وزرت أطباء ومرضى للتعرف أكثر على أعراض وجوانب مختلفة من المرض ، وذلك إيمانا مني بأن الفنان يذهب للدور ولا يجوز له أن ينتظر الدور كي يأتي إليه جاهزا ومعدا من الآخرين.
* منذ سنوات تسيطر أعمال "الحارة الشامية القديمة" على المشهد العام للدراما السورية ، وأبرزها كان "باب الحارة" الذي شاركت بجزئه الأول ، ما تقييمك لتلك الأعمال ، لا سيما أن الكثير بات يعتبرها نمطية وتكرس قيم بالية ومتخلفة؟
- في الواقع: هذا النوع من الأعمال ترك أثرا كبيرا لدى الجمهور العربي ، وربما يعود ذلك لحنين العرب الدائم للماضي بكل ما فيه من أمجاد وحوادث عظيمة ، وأنا أرى أن العمل الجيد يفرض نفسه ، سواء كان معاصرا أو قديما ، أما ما يقوله البعض عن إحياء تلك المسلسلات لقيم وعادات بالية فأنا في الواقع لا أرى أن القيم السائدة حاليا في مجتمعاتنا أفضل من تلك التي تفيض بها مسلسلات الحارة الشامية ، وبالنسبة لـ "باب الحارة" بالتحديد فلا شك أنه وقع في الكثير من المطبات ورغم أنني لست نادما على المشاركة فيه إلا أنني لا أنكر أنه عمل يشبه حكايا الجدات ولا يمت بأي صلة لتاريخ دمشق.
* تشهد الساحة الدرامية العربية هجرة بعض الرموز الفنية السورية إلى مصر للمشاركة بمسلسلات ضخمة ، ونذكر هنا تجربة جمال سليمان وأيمن زيدان وباسم ياخور وآخرين ، هل فكرت بالتمثيل في أعمال تلفزيونية أو سينمائية مصرية؟
- أبدا لم أفكر ، ولا أجد نفسي قادرا على التعبير عن قضايا المجتمع المصري حيث يوجد هناك الكثير من الممثلين الأكفاء القادرين على طرح قضايا وهموم مجتمعهم أفضل مني ، ولا أتوقع أن تأتيني فرصة من مصر أفضل مما يعرض علي في سوريا ، أما الزملاء الذي توجهوا نحو الدراما المصرية - ولا أحبذ وصف ذلك بالهجرة - فأنا أحترم كافة خياراتهم وأتمنى أن يكونوا قد حققوا طموحاتهم الفنية.
* أخيرا فإن الازدهار الدرامي في سوريا لا يوازيه أي ازدهار على صعيد السينما السورية ، كيف تفسر ذلك ، لا سيما أن سوريا ذات تجربة عريقة في الفن السابع ولديها قدرات فنية كبيرة في ذلك المجال؟
- واقع السينما السورية مؤسف للغاية ، وأرى أن الانتاج السينمائي السوري قد هبط مستواه بصورة واضحة خلال السنوات القليلة الماضية ، ذلك أن المؤسسة العامة للسينما لم تعد تمتلك القدرات الكافية للنهوض بالإنتاج السينمائي ، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص في سوريا لا يجازف في إنتاج أفلام قد لا تدر أية فائدة مالية ، فهو قطاع ربحي غير معني بالثقافة والفن ، وهذا ينطبق على جميع الدول العربية ، عدى مصر ، التي تمتلك دور عرض سينمائية بكافة المحافظات ولديها شركات انتاج كبرى ، كما أنني اعتقد أن أحد أهم اسباب تراجع السينما السورية هو انحسار طقس زيارة دور السينما وتلاشي الطبقة البورجوازية الصغيرة التي تهتم بالسينما وتشجعها.