من الطبيعي أن يكون الفرد متميزاً إيجاباً عن باقي أفراد مجتمعه عند حصوله على شهادة دراسية عليا ؛ لكونه أصبح واسعَ الإدراك ، متفتحَ الذهن ، مثقفاً ، واعياً لما يدور حوله ، قادراً على تحليل الأمور بشكل منطقي وعلمي ،
فهو يطبق ما تعلمه من علوم في مختلف مراحله الدراسية بشكل عملي في حياته ، وهنا يتجلى تأثير الشهادة الجامعية الإيجابي على السلوك الشخصي للإنسان.
وبشكل عام يمتاز الجامعي بسلوكه الراقي ،فالحوارُ أوالتعامل معه في معظم الأحيان يكون أكثر إيجابيةً ودقة وفائدة، ويوصل الأفكارَ باختصار دون عناء ، و بأفضل الطرقِ و أبسطها ، وتكون خدماته للمجتمع مميزة بفوائدها ، وبخاصة إذا تمتع بالأخلاق الفاضلة ، مقارنةً مع الشخص الأمي ، أو مع الذي نال قدراً ضئيلاً من التعليم.
والمسؤولية الكبرى في نهضة وتقدم مجتمعنا ملقاة على عاتق الجامعين بالدرجة الأولى . وهذا لا يعني التقليل من شأن غيرهم من أفراد المجتمع و أهمية دورهم، وإنما هي حقيقة تفرض نفسها ، والمسألة تكون بالتكامل بين الأفراد جميعاً، فلكلٍ دوره ومهامه وأن تفاوتت أهمية الأدوار.
لكن ما يثير الدهشة و الاستغراب في مجتمعنا هو أن يتصرف بعض الجامعيـين تصرفات يترفع عنها الكثير من الأميين وينبذونها . والأمثلة من واقعنا كثيرة التي تدل على جهل مزمن لا يمكن أن تزيله شهادة جامعية ، وتخلف متأصل لا يمكن أن يتوافق مع شهادة عليا أصبحت وظيفتها أن تزين الجدران فقط .
فحين يطلب الجامعي من أهله أن يبحثوا له عن زوجة ويشترط عليهم أن تكون غير متعلمة ، كي لا تجادلَهُ في أمور الحياة ، و تناقشه في مسائل اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك ، أو أُمِّــيَّـةً (لغاية في نفسه) ، و أن يعاملها كخادمة ، وربما تكون للخادمة منـزلة أرفع من منــزلة هذه الزوجة .
وبعد الزواج وإنجاب الأولاد يكتشف بأنه حكم على نفسه وعلى زوجته بالحياة التعيسة المؤبدة، نظراً لعدم الإنسجام والتوافق بينهما، فهو يبرهن بأنه لم ينل سوى شهادة تخلف عوضاًعن شهادة علم.
وقد نرى أحدهم يتعامل مع زوجته الجامعية أيضاً بأسلوب همجي ، وينعتها بألفاظ نابية باستمرار ، ويكيل لها الشتائم والمسبات ، بسبب وبدون سبب ، ويضربها ضرباً مبرحاً من حين لآخر، ليغطي عُقَدَ نقصٍ مختبئة في ثنايا أعماقه .فأي شهادة علمية هذه التي حصل عليها تجعله يستخدم طاقته وقدرته العضلية بدلاً من العقل والحوار الهادئ والنقاش المثمر؟!
و عندما يتناسى أحدُ الجامعيين أن المتواضعَ كالسنبلة كلما امتلأت ازدادت انحناءً؛ فنراه يعامل بقية أفراد المجتمع بفوقية وتفاخر وغرور ،و يعتبر كلامه أوامراً يجب تنفيذها دون تردد و مناقشة لكونه الأكثر علماً بنظره ,لأنه حصل على شهادة عليا ، بدلاًمن أن يكون مثالاً للتواضع والبساطة ، فنعجب كيف توصل إلى هذه القناعة وكيف جعلتهشهادته فوق مستوى البشر في مجتمعه ، وقد غفل عن أن "فوقَ كلِّ ذي علمٍ عليم"!
ومن الجانب العلمي ، ومما يزيد الأمور خيبةً وتعقيداً ، أننا نرى بعض الخريجين الذين حصلوا على شهاداتهم لا يَمُتُّون للفرع الذي تخرجوا منه بأية صلة ، فاختصاصهم في واد ، ومعارفهم العلميةالقليلة في بئر سحيق بعيد ، إضافة إلى أخطائهم الإملائية والنحوية المتكررة التي لا يقع فيها طالب في المرحلة التأسيسية ، وهنا يكون التساؤل عن كيفية حصولهم على هذه الشهادات؟!
كذلك يعود البعض ممن أكملوا دراساتهم العليا في الخارج ، ويبدؤون بإظهار الجوانب السلبية لمجتمعنا ، ونقدها نقداً منفِّراً ، ويعتبرون مجتمعنا و كأنه كوكب منفصل عن هذا الكون ، دون أن يطرحوا حلولاً مناسبة للسلبيات ، ويتفاخرون بالمجتمع الغربي الذي درسوا فيه ، ويعتبرونه الأمثل ، و أننا رمز للتخلف ، و لازلنا نعيش في العصر الحجري.
وهنا لا أحد يستطيع أن ينكر الفارق والتقدم العلمي بين المجتمع الغربي ومجتمعنا، لكننا بحاجة لمن يأخذ بيدنا ، ويطورنا ، ويوجهنا ، وليس لمن يعيِّرنا ، ويتكبر علينا ، وينعتنا بصفات جارحة نعرفها جيداً .
من البديهي أن يكون الخريجُ الجامعي مثالاً يُحْتذى في سلوكه ، بعيداً عن الإنحلال والفساد و الإنحراف بكافة أشكاله ،ومن المفترض أن يكون هذا هو الوضع الطبيعي له ؛ والشهادة الجامعة في الحالة العادية تعطي إنطباعا جيداً عن حاملها لكنها تصبح عامل إدانة ضده إذا كان سلوكه مستهجناً ومنحرفاً.