حول أن الإسلام فضاء مفتوح على الجميع , عالميّ ٌ في حفظ إنسانية الإنسان دارت تفاصيل اللقاء الذي جمع وفدٌ فرنسي مع مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون في مسجد الروضة بحلب يوم أمس الثلاثاء .
و بعيدا عن المجاملة الجوفاء " الغشاشة " , كان اللقاء بلسما لهاجس الخوف الذي عبر عنه الناطق الرسمي باسم الوفد قائلا " نحن في هذه القاعة 20 فرنسيا و ألماني و لا أبالغ أنه كان لدينا بعض الخوف , و جئنا إلى هنا لأننا نريد أن نعرف هل الإسلام إسلاما وحبا أم خوفا و إرهابا " .
و بلور الناطق باسم الوفد سؤاله قائلا " كيف لنا أن نستشف إسلاما بعيدا عن نظرة التعصب و الارهاب , وماهي الرسالة التي تريدون إيصالها إلى الأوروبيين عن العالم الاسلامي ؟ " .
مفتي الجمهورية : ليس هناك عالما إسلاميا و آخر مسيحيا وهذا من صنع رجال السياسة و الدين
ومن جهته رفض مفتي الجمهورية الدكتور أحمد بدر الدين حسون التحديدات المتمثلة بوسم عالم " ما " بـ إسلامي و آخر مسيحي قائلا " هذا من صنع رجال الدين والسياسة " .
و أضاف " أنا لا أؤمن بتعدد الأديان , فهناك دين واحد , و إله واحد , و انسان واحد ، و لكن الشرائع متعددة " .
و أكد " حسون " أن الدين خادما للإنسان وليس سيدا عليه , فالانسان أولا والدين جاء لينظم العلاقات الروحية بين الانسان و أخيه .
و أشار أن جميع الشرائع أكدت على مبدأين اثنين وهي أن نتعلم قداسة الاله و كرامة الانسان .
حول الثورة الفرنسية .. مفتي الجمهورية يحذر أن تحيد فرنسا عن " علمانيتها " منهجها في احترام الدين
وحذر " حسون " من ابتعاد فرنسا عن علمانيتها , مبينا أنها كانت الأولى التي فصلت بين الدين و الدولة و لكنها احترمت الدين , فالفصل لا يعني " الإنكار " .
واعتبر أن ابتعاد فرنسا عن علمانيتها الأولى شيء خطير .
و شدد أن الدين و القانون لا يصطدمان إلا في حال عدم فهم الأول للثاني أو احترام الثاني للأول , موضحا أن الدين و القانون يجب أن يحفظان الانسان و تعزز مواطنته التي تعود بالنفع و الخير على الجميع .
وضرب مثالا , مشيرا أن الكثير من يهود فرنسا رفضوا الهجرة إلى اسرائيل ذلك لأن فرنسا تمنحهم حرية دينية أكثر من اسرائيل نفسها .
و أضاف حسون أننا نريد أن يعود العالم ليكون عالما انسانيا , ونحن جميعا نعترف أن الله " رب العالمين " وليس رب المسيحيين فقط أو رب المسلمين فقط .
و عاد " حسون " ليؤكد أنه خلال الثورة الفرنسية لم تُهدم كنيسة بل هدموا سجنا , وحين سلبت الكنائس كان ذلك لاستعادة ماسرقوه رجال الدين منهم .
و قال حسون موضحا " السيد المسيح لا يحتاج أن تتناول من كأس ذهب , فالمسيح كان يشرب بيده , وحين كان يمسح أرجل تلامذته لم يمسحها من ماء من إناء ذهب " .
و أيضا أكد ان لا تصادم بين الدين و الانسان , ولا بين الدين و الدين .
وشدد " المفتي " على مفهوم " الحضارة واحدة " القائمة على ثقافات متعددة .
وخلص إلى أن مفهوم " تصادم الحضارات " كذبة كبيرة فالحضارة الإنسانية واحدة بدأت مع أول انسان و ستنتهي مع آخر انسان .
حسون يحذر من " موضة " الأحزاب الدينية في أوروبا
وحذر حسون من تنامي " موضة " الأحزاب الدينية في أوروبا فهي تنزع إلى تضييق ما هو واسع وحرمان لمواطني تلك الدول من ممارسة مواطنتهم و مؤشرات لبداية تمزق البلد .
ونوه إلى خطورة الاعتراف بدولة دينية ( إسرائيل ) , مبينا أن هذا سينتج دولة مسيحية , ودولة إسلامية , ودولة كاثوليكية ..إلخ , موضحا أننا في سورية لا نريد أن يكون هناك أحزاب دينية.
و قال " حسون " : " إن العراق ومنذ ألفي عام كانت بلد واحد , ولكن بعد دخول القوات الأمريكية باتت الآن مهددة لتتحول إلى دويلات ثلاث ( سنية , شيعية , كردية ) , بينما المسيحيون الكلدان هاجروا إلى سورية " .
وتساءل " لماذا خلال ألفي عام عاشوا معا , وخلال ثمان سنوات أصبح ليس بالإمكان أن يستمروا ؟ " .
ودعا " حسون " إلى ضرورة الوقوف معا وجميعا ضد كل من يريد تقسيم العالم .
و توجه " حسون " بالحديث إلى أحد الضيوف ( ألماني الجنسية ) قائلا " قلت يوما في برلمانكم أنني أقبل يد كل شاب هدم جدار برلين , فهدر التصفيق ولكني قلت لما لم تسألوا لماذا ؟ , قلت لهم : لأنكم هدمتم الجدار ولم تقتلوا إنسانا " .
واستطرد " بينما في فلسطين هناك من يقتل عند الجدار , هناك في بلد السلام ومهبط الأنبياء " .
وحول سؤال يتعلق بنظرة " الممثل الأكبر للإسلام في سوريا " – حسب تعبير السائل الألماني - إلى العولمة و المال قال الدكتور حسون " أولا أنا لست الممثل الأكبر للاسلام أن أمثل الانسان في وطني – سورية - فـ الانسان هو بيت الله المقدس " .
و أضاف " العولمة مرحلة مررنا بها تاريخيا كثيرا , ولكن اشتد تأثيرها في هذه الأوقات نتيجة إزالة الحدود التي نتجت عن الثورة التكنلوجية " .
و شرح أن العولمة إذا كانت موظفة في خدمة الإنسان فـ ستستمر , و أما إذا كانت باتجاه إلغاء شخصية الانسان فـ ستسقط .
و أشار أن العولمة الأمريكية تعني أن نأكل جميعا الهمبرغر و نلبس الجينز ونرى فقط هوليود و يسيطر الدولار , فأمريكا تحارب اليورو , وتحارب الين , و تحارب الصين , وبين " حسون " أن هذه ليست عولمة بل " احتكار " .
واختصر قائلا " العولمة هي أن أتعاون معك , فما تصنعه و أصنعه يجب أن يكون في خدمة الانسان " .
وفي معرض حديثه عن واقع الدين في سوريا , قال حسون : " لا أقليات في سورية " , لأننا في سورية نثمن " المواطنة " , فهناك في سورية 22 مليون مسلما و 22 مليون مسيحيا و 22 مليون علمانيا ذلك عندما يكون الحديث عن " و " حول الـ " وطن " .
وقال حسون " ثمة اجتماع عقد في الفاتيكان للبحث في الأقليات بالمنطقة , فقلت لهم ابحثوا عن مسيحيي أوروبا " .
و أضاف " في بلادنا لم تباع كنيسة واحدة , ومنذ عام 1960 بنيت أكثر من عشرات الكنائس بينما رأيت وبأم عيني في النرويج و في غيرها من مدن أوروبا كنائس تباع وحين سألت قالوا : لقلة المصلين وكثرة الضرائب " .
حول " عولمة الاسلام " .. مفتي الجمهورية لـ عكس السير : دفعت الثمن لهذا الطرح
و ردا على سؤال لـ عكس السير حول تحديات الطرح الجديد بما يسمى أنسنة الإسلام أو عولمته قال " بدأ يحمله الكثير من العلماء في سوريا وخارج سورية , وكنت أعتقد أني الوحيد ولكني سمعته على المنابر وبدأ ينتشر إلى طبقات أخرى " .
و أضاف " دفعت ثمن هذا الطرح والخطاب , ولكن الكثير ممن وقفوا ضده وحاولوا أن يوقفوه أراهم اليوم بدأوا ينادون به , فأي فكر لا بد أن يبدأ وحيدا ولا بد أن ينتشر " .
وحول تقاطع هذا الفكر مع مما حاول ترسيخه المفكر محمد أركون قال " محمد أركون عاش غريبا ومات غريبا لم يفهمه من انتقده كما لم يفهمه من أحبه في محاولاته لأنسنة الاسلام ولكن رغم ذلك كان له دورا كبيرا في توضيح إنسانية الإسلام وعالميته "
و حول السعي لـ وجود مؤسسات ومراكز ثقافية تعزز هذا الاتجاه قال " سنعلن عن ذلك قريبا " .
و نعود إلى التاريخ , إلى القرون الأولى للإسلام حيث كانت مدينة الرسول ( عليه السلام ) مدينة عالمية ففيها عاش الأبيض و الأسود , الرومي و الفارسي و العربي , المسيحي و اليهودي في مزيج رائع أسسه النبي و ترجم أول آيات القرآن خير ترجمة ( بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين ) .