قتل عسكريان في قوى الأمن الداخلي بثياب مدنية الشاب السوري عبد الناصر الأحمد فجر أمس في شارع الصيداني في منطقة الحمرا بلبنان ، دون اي سبب .
وبحسب صحيفة " الأخبار " اللبنانية فإن الشاب ( عبد الناصر ) كان يمرّ برفقة صديقه أحمد أمام المتجر حيث يعمل. تقترب منهما سيارة يستقلّها أربعة أشخاص. يُنزل أحدهم زجاج السيارة ويومئ بإصبعه إليهما بالاقتراب من دون أن ينبس بكلمة. يتظاهر الشابان بأنهما لم يرياه، لكن راكب السيارة يصرخ فيهما للتوقف. يلتفتان إليه فيريان شابين مسلّحين يخرجان من السيارة. مشهد المسلَّحَين أخاف الصديقين، فسارع عبد إلى الهرب فيما جفل أحمد وبقي واقفاً مكانه من دون حراك. ركض أحمد فلحق به الشابان المسلّحان. أطلقا النار في الهواء طالبين إليه التوقّف. لم يمتثل لطلبهما، ربما بسبب الخوف. تابع الركض وكذلك المسلّحان. صوّب أحدهما إليه السلاح وأطلق النار، ربما أصابه وربما أخطأه، استمر الهارب في الركض. أطلق المسلّح النار ثانية. لحظات تمر، فيسقط عبد على الأرض. يقترب المسلحان منه لجس نبضه. الدماء تنزف بغزارة. كان عبد يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وتعلق الصحيفة اللبنانية " أعدماه لمجرّد الاشتباه فيه. قُتل عبد الناصر الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين من عمره من دون أن يعرف السبب ".
سقط عبد الناصر أرضاً مخضّباً بدمائه. اقتربت السيارة التي حاولت إيقافه. حمله ركّابها وغادروا المكان. تبيّن فيما بعد أنهم نقلوه الى مستشفى الجامعة الأميركية لكنه كان قد فارق الحياة. رجال مجهولون يغادرون بجثّة عبد فيما سكّان المباني المحيطة يتحلّقون على الشرفات يراقبون. الجميع هنا يعرف عبد، فالشاب المهذّب يعمل في خدمة توصيل الطلبات للمنازل في أحد متاجر المنطقة منذ نحو 12 عاماً. الفترة الطويلة سمحت لمعظم السكان بالتعرّف إليه بعدما أصبحوا زبائنه.
لقد قُتل عبد الناصر نحو الساعة الثانية فجراً. استيقظ الجيران على صوت الرصّاص. نزل عدد منهم الى الشارع لاستنكار ما حصل. فيما تولّى آخرون إخبار مالك المتجر الذي يعمل لديه عبد، ميشال غازي، بما حصل. تجمّع الجميع أمام المتجر الذي كان يعمل فيه. أطلق بعضهم عبارات الأسف فيما حبس أصدقاء عبد المقرّبون الدمع في عيونهم. في المقابل، قصد ميشال مخفر حبيش للوقوف على شرح لما جرى، لكنه خرج خالي الوفاض.
وفي هذا السياق، يذكر ميشال أن أحد العناصر تهجّم عليه داخل المخفر عندما سأله عن مصير الشاب الذي كان برفقة عبد الناصر عند مقتله. ولفت ميشال الى أنه لم يردّ على تهجّمات العسكري المذكور، بل اكتفى بالصمت قبل أن يغادر. يعيش ميشال حالاً من الحزن لما جرى لعبد الناصر الذي كان بمثابة ابنه، لكنه يبدي استنكاراً وأسفاً في الآن عينه لما واجهه داخل مخفر قوى الأمن قبل أن يختم حديثه عن المخفر بالقول: " يمكن أن يكون أي شيء ما عدا مركزاً لقوى الأمن ".
تقول الصحيفة اللبنانية " نقصد مكان الجريمة. نقترب من أحد المتاجر حيث يتجمّع عدد من الأشخاص. نسأل عن القتيل فيأتي الجواب بصيغة سؤال: "هل تعرفون لماذا قتلوه؟" ، تسأل عمّن يعرفه فيقترب منك الجميع. كلّنا نعرفه منذ أكثر من عشر سنوات. تنفرد إحدى السيدات للحديث عن شيمه. " مسكين، قتلوه قبل أن يرى الحياة "..
و ذكر شهود عيان أن العناصر كانوا بلباس مدني ولم يعرّفوا عن صفتهم الأمنية .
يتحدّث السكان عن كيفية حصول الجريمة، فيستغرق أحدهم بالتحليل. يتحدّث عن الطريقة التي انقضّ فيها رجال التحرّي على الشابين من دون أن يُعرّفا عن هوياتهما. يسأل: " أليس من المفترض أن يُطلقوا النار في الهواء تحذيراً؟" ، فيردّ عليه آخر : " لقد أطلقوا رصاصتين في الهواء قبل أن يصيبوه ". الجواب لم يكف السائل فيضيف: " لماذا لم يطلقوا النار على قدميه؟ ".
الأسئلة لا تزال تُطرح بانتظار انتهاء التحقيق، لكن عبد قد رحل. لم يبق له أثر سوى بقعة دماء جافّة تدلّ على جريمة أزهقت روح إنسان كان يمكن تلافيها.
وبحسب الصحيفة ، يأتي أحد الرجال بعينين دامعتين. إنه عمّ القتيل. ترك سوريا وقدم الى لبنان فور إبلاغه الخبر عند الرابعة من فجر أول من أمس. تقدّم له عبارات العزاء فتنهمر الدموع من عينيه ويُطرق برأسه الى الأرض متمتماً بعبارات الرحمة. يصمت قليلاً مجيلاً بصره في ورقة حصل عليها من قوى الأمن تسمح له بتسلّم جثّة ابن شقيقه بناء على إشارة القاضي صقر صقر. ينظر تارة في الورقة وتارة أخرى تضيع عيناه بين الحاضرين من دون أن يتلفّظ بكلمة، لكن أحد الأشخاص يقطع عليه صمته ليخبره أن القنصل السوري يودّ رؤيته. يهمّ الرجل بالمغادرة لكنه يلتفت قائلاً بأنه سيتقدّم بدعوى على القتلة بعد أن يستعيد جثة المغدور.