الصورة الساخرة (الكاريكاتيرية) لابن الرومي

لن أؤرخ لهذا الشاعر العباسي الكبيرالذي أبدع وأجاد في فن الوصف، ولكنني أشير إلى تشاؤمه الذي كان عجيباً، ومنه أبدعلوحة السخرية والتي أسميها اللوحة الكاريكاتيرية مناط هذه الدراسة .
كانتالسخرية في شاعرنا ابن الرومى طبعا متأصلاً في شخصيته السوداوية التفكير،
وكان لا يستطيعمفارقته، حتى في أشد لحظاته حرجاً،
فقد رووا أن الوزيرالقاسم بن عبيد الله بن وهب قد دس له السم - الذي مات بسببه - فيالطعام خوفا من هجائه وفلتات لسانه بالفحش,
فلما أحس بالسم قام,
فقال له الوزير: إلىأين تذهب؟
قال:إلي الموضع الذيبعثتنى إليه.
فقال له الوزير:سلِّم علي والدي,
فرد عليه ابن الرومى:ما طريقي إلي جهنم (النار)؟
منكاريكاتيره الساخر ما قاله في تصويره لشخص شحيح مقتر .
يقول في عيسى بن موسىبن المتوكل :

يقتِّرُعيسى علي نفسه *** وليس بباقٍ ولا خالدِ
فلويستطيع لتقتيــــــــره *** تنفسَ من منخرٍ واحدِ

فهذه صورة تبعث علىالضحك ،من كونه شديد البخل، فلو استطاع لبخل حتى في الهواء الذي يتنفسه ، وهناتعجب من دقة الوصف الي يتماهى في صورة الخيال رجلاً يحاول أن يتنفس من جهةٍ واحدةٍمن أنفهِ!!
وهذا هويسخر من الأنف بصورٍ أشدَّ إضحاكاً من سالفتها:
أنف دبس
قولا لدبسشرّ من ...............يطأ التراب ويرمس
تبّا لدهرأنت فيه................ .مقــــــــدّم ومرأّس
لو أنّإبليســا رأاك ............... لكــــان ذعر يبلس
واذاجالست أذى خشامك .......من يضـــمّ المجلس
وإذا نهضتكبا بوجهك .........للجبيــــن المعطس
فالأنفمنك لعظمه ..............أبداً لرأسك يعكس
حتى يظنّالناس أنّك ...........في التــــراب تفرّس
إن كانأنفك هكذا ..............فالفيــل عندك أفطس
وإذا جلستعلى الطريق .... ..ولا أرى لك تجلس
قيل:السلام عليكما ...........فتجيب أنت ويخرس

وغاية السخرية أنتشعر أن خرطوم الفيل لا يعدل شيئاً أمام أنفه، بل يحسبه الناس وأنفه اثنين لاواحداً !!
وتستمررحلة الوصف في تقاسيم الوجه فنقف عن صلعة أبي حفصٍ!

فيقول فيها :

يا صلعة ًلأبي حفص مُمـــــــرَّدة ً ** كأن ساحتهـا مـرآة ُ فـولاذِ
ترنُّ تحتالأكف الواقعاتِ بهــــــا ** حتى ترن لهـا أكنـاف بغـداذِ
كم منغناءٍ سمعنا في جوانبها ** من حاذقٍ بلُحون الصفع أستـاذِ
لا شيءأحسن منها حين تأخذها ** من الأكـفِّ سمـاءٌ ذات إرذاذ

فهذه الصلعة في لوحتهالساخرة تلمع تحت وهج الشمس مرآةً، وتضحك حتى الثمالة حين ترى الأكف تهبط عليهالطماً، وتكاد تسمع رنين الأكف عليها.
ولئن بلغالوصف مداه فستعجب من هذه اللوحة الغريبة من الهجاء لمعلم الصبيان أبي سليمان :

أبوسليمان لا ترضي طريقته*** لا في غناء ولا تعليم صبيان
له إذا ماجاوز الطنبور منتقلاً ** صوت بمصر وضرب في خراسان
عواء كلبعلى أوتار مندفة *** في قبح قرد وفي استكبار هامانِ
وتحسبالعين فكيهِ إذا اختلفا ** عند التنغم فكي بغل طحان
فهو مغنٍ ومعلمصبيان، ولكنَّ شاعرنا غير راضٍ عنه.
تخيل مقدار البراعةوأنت تسمعه يغني في مصر ويتردد صدى الصوت في خراسان، لا بل صوته يضاهي عواء الكلب،والمفترض نباح الكلب لأن العواء للذئب، وربما اختاره لطول مد الصوت، ويجذبك الصوتالقبيح لترى وجهه فإذا هو في بشاعة القرد -ويا له من تشبيه!- ويزيد ذلك في تكبرهالذي قرنه بقارون الذي خرج على قومه في زينته متكبراً.
ويختتم لوحة الوصفالساخر بفكيه اللذينِ يشبها فكي بغل الطحان الذي يحركهما وهو يدور حول الرحى!!
وتماهيالوصف يكون في وصفه للأحدب:
فهو قد تشاءم من منظرالأحدب فقال يصفه :
قصرتأخادعه وغار قذاله -------- فكأنه متربص أن يصفعا
و كأنماصفعت قفاه مرة -------- وأحس ثانية لها فتجمعا
تأمل لو كنْتَ تلقيتصفعةً على رقبتك وشعرت بالأخرى فتهيَّأت لها بجمع كتفيك على رقبتك، فهذه هي اللوحةالساخرة العجيبة هنا .
ولتكتملصورة الوصف الساخر في أركان الوجه نراه وهو لم يعجبه صوت مغنية يقول :

صوتهابالقلوب غير رقيق -------- بل له بالقلوب عنف و بطش
فإذارققته بالجهد منها --------- خلت في حلقها شعيراً يجش

لو عرفت أنَّ الحمارهو آكل الشعير أدركت هول الصورة المضحكة لصوتها المخيف، والذي أفسد سوق المغنيةفيما بعد.
و قال فيهجاء شنطف و كان قبيح المنظر :

شنطف ياعوذة السماوات -------- و الأرض و شمس النهار و القـــــمر
إن كانإبليس خالقاً بشراً -------- فأنت عـــــــــــــندي من ذلك البشر

تأمل قبح الصورة حينيجعله من صنائع إبليس، وتضحك أكثر من اسم المهجو، فكأنه تناسب مع اسم إبليسوالتعوذ منه !!
الحق أنلوحة الوصف الساخر عند ابن الرومي تبذ كثيراً من رسامي الكاريكاتير في أيامنا،وتفرد بها الشاعر قبلهم بقرونٍ طويلةٍ .

شكرا كتير اخ زيزوس عالمعلومات الحلوة

معلومات حلوة و مهضومة بنفس الوقت .. lol!

شكرا زيزوس ..

» ابن الرومي - هجاء
» كم قطة في الصورة؟؟؟؟؟؟
» كم وجه في الصورة ؟؟
» قطوف من كتاب (أخْبَارُ الحَمْقَى والمُغَفَّلِين) لابن الجوزي
» حاول وضع الفآرة على الصورة