بين قناتي ''العربية'' و''الجزيرة'' ومتابعتهما للمشهد المصري

لك الاختيار بين قناتي ''العربية'' و''الجزيرة''· شاشة العربية مقسمة إلى أربعة أقسام: قسم ترى فيه صورة أحد شوارع القاهرة يوم الجمعة وقسم ينقل صورة أخرى عن الشارع نفسه عشية اليوم وقسم ثالث عن الشارع نفسه في حدود منتصف الليل، بعد أن مر على موعد حظر التجول ثماني ساعات، وفي القسم الرابع نشاهد مجموعة من الجنود وهم يلقون القبض على شخص تقول العربية أنه ''بلطجي''· وتأتي كل التحليلات والتعاليق والأخبار في حدود ما توحي به هذه الصور· ولا تكاد قناة ''العربية'' أن تختلف في شيء عن القناة الرسمية المصرية·

لا أثر للبرادعي وأيمن نور وزويل وعلاء الأسواني، وحديث قليل جدا عن مواقف الدول الكبرى التي تطالب الحكومة المصرية بضرورة التغيير والإصلاح·· لا شيء سوى نداءات الاستغاثة والتنديد بأعمال السلب والنهب·

والنتيجة أن المظاهرات والاحتجاجات فقدت طابعها السلمي والسياسي لتتحول إلى فوضى·· ومن ثم فقدت شرعيتها، وجاء الجيش ليعيد الأمور إلى نصابها، وليفرض احترام قرار حظر التجول·· وليعم الهدوء شوارع القاهرة في منتصف الليل·

وفي الجهة المقابلة تكتفي قناة ''الجزيرة'' بشاشة واحدة، أو شاشتين، ولكن دون أن يتغير المعنى ولا الموضوع· صورة أحد شوارع القاهرة ممتلئا عن آخره بآلاف مؤلفة من المصريين، ساعات طويلة بعد موعد بداية حظر التجول، وهم ينادون بسقوط الطاغية حسني مبارك· وتتوالى تصريحات وتعاليق المصريين من معارضين وغير معارضين ومعارضين بالمناسبة· الإجماع واحد: رحيل حسني مبارك·

المتصلون بـ ''العربية'' يستغيثون بقوات الجيش لحمايتهم من السراق والشذاذ والبلطجية، والمتصلون بـ ''الجزيرة'' يستغيثون وينادون قوات الجيش لحمايتهم من ميليشيات البوليس السياسي وهي تعمل في الممتلكات نهبا وتخريبا· ونقلت ''الجزيرة'' أكثر من شهادة لتؤكد أن الأخبار التي تتحدث عن السلب والنهب والفوضى مبالغ فيها، وأنها ليست بالحجم الذي تسعى بعض الجهات لتقديمه· وسمعنا الروائي علاء الأسواني يقول: إن نظام حسني مبارك بث أعوانه ليقوموا بالسلب والنهب لتشويه صورة انتفاضة شعبية نظيفة وسلمية، وهي طرائق معروفة تلجأ لها كل الأنظمة البوليسية لتحويل مسار الثورة إلى فوضى تكبر وتكبر إلى أن يتخلى الثوار عن مطالبهم السياسية·

وسمعنا في ''الجزيرة'' تصريحات محمد البرادعي وأيمن نور وزويل وعرفنا موقف يوسف القرضاوي، وسمعنا معارضين يقولون: لا تعامل بعد اليوم مع حسني مبارك ولا نقبل إلا بالجيش شريكا في المرحلة الانتقالية·

''العربية'' تنقل موقف العربية السعودية وتدافع عنه، و''الجزيرة'' تنقل مواقف الجميع مع تفضيلها لاستمرار الاحتجاج·· صورة بصورة وموقف بموقف، مع فارق كبير وهو أن الوسائل التي تستخدمها ''العربية'' أكبر من وسائل ''الجزيرة'' التي كانت تعمل في حدود ضيقة جدا أشبه بالسرية نظرا لما مورس عليها من تضييق·· وقد علمنا صباح أمس أن وزير الاتصال المصري السابق قرر غلق مكتب ''الجزيرة'' في القاهرة·

ومع ذلك يستمر المد، وتتوالى الصور والأخبار والشائعات: هنا أبناء الرئيس وعدد من رجال الأعمال والمقربين من النظام يفرون إلى الخارج أو يتأهبون وهناك يعود الأمن والاستقرار·· في ''الجزيرة'' يعيش حسني مبارك ونظامه ربع ساعته الأخير· وفي العربية لا خوف على حكومة مصر وشعبها·· في ''الجزيرة'' يقول البرادعي: إن الولايات المتحدة تساعد النظام ولا تساند الشعب·· وفي ''العربية'' تحذير سعودي للأمريكيين من التلاعب باستقرار مصر·