الإلياذة والأوديسة - من الأدبِ اليوناني

الأدبُ اليونانِيُّ: لهُ ثلاثُ ألوانٍ ممتعةٍ من الأدبِ: الأساطيْرُ والملاحمُ والتمثيليَّاتُ، بدايةً انشغل اليونانيُّونَ بالأساطيْرِ من القرن العاشر قبل الميلاد، ثُمَّ مرحلة التغنِّي ببطولاتِهمُ القوميَّةُ ومغامراتِهم كملحمتَيْ (الإلياذة) و(الأوذيسة) لِهومر، ثُمَّ استأثرَ حب المسرح بأدبِهم، وللأدبِ اليونانِيِّ طوابعُ خاصةً: أولاً هو أدبُّ إنسانِيٌّ يُعالجُ مشكلات الإنسان، وثانياً يتجهُ اتِّجاهاً نفسياً للكشف عن أسرار النفسِ، وثالثاً خصب الخيال يعتمدُ التشخيصَ، ورابعاً أدبٌ متناسقُ الأجزاءِ ويُعبِّرُ عن ذوقٍ رياضِيٍّ في مجال الصنعةِ الفنِّـيَّةِ.
الإلياذةُ: تتكوَّنُ من (15537) بيتاً، وتحكي جانباً من حكاية طروادة، فقدِ اختلفت الآلهات الثلاث: (هيْرا أو جونو) آلهة الزواج، و(أفروديت أو فينوس) آلهة الحبِّ، و(أثينا أو منيْرفا) آلهة الذكاء أيتهنَّ أجملُ؟ وقرر كبيْر الآلهة (جوبيْتِر) أن يكون (باريس) بن (بريام) ملك طروادة الحَكَم، فحكم لفينوس فغضبتْ عليه هيْرا وأثينا، وكافأتْهُ أفردويت بأنْ جعلتْ هيلانة الفاتنة زوجة ملك إسبارطة تُحبُّهُ وفرَّتْ معهُ إلى طروادة، فثار زوجُها وهبَّ أبطالُ اليونان لمحو العار وعلى رأسهم (أغامَمْنون) أخو الملك، واتَّجهوا لطروادة فتصدَّى لهم جيشها بقيادة (هكتور) الأخ الأكبَر لباريس، وانقسمَ الآلهةُ ما بيْنَ اليونان وطروادة وقسم بقي مُحايداً (جوبتِر وأبولو)، ولبثتِ الحربُ نَحو تسع سنيْنَ، ثُمَّ حدثَ خلافٌ حولَ إحدَى السبايا بيْنَ (أغامَمْنون) و(آخيْل) أحد أبطال اليونان الأسطورييْنَ، وهنا تبدأُ الإلياذةُ حيثُ يعتَزلُ (آخيْل) الحرب، وأُعلنتْ هدنةٌ بيْنَ الجيشيْنِ حتَّى تتمَّ المبارزةُ بيْنَ (باريس) وملك إسبارطة، وتتدخل (فينوس) لمساعدة (باريس): [وأنْجزتْ ما أرادتْ فِي سرٍّ وإسراعٍ]، وعاد الجيشانِ للالتحام، وتبدو أماراتُ الهزيْمةُ على الجيشِ اليونانِيِّ، ويرفض (آخيْل) المشاركة حتَّى يُقتلُ (باتروكلس) صديقه على يد (هكتور)، فيثورُ (آخيْل) ويهب للقتال ويقتل (هكتور)، ويجرُّ جثته إلَى معسكر اليونان حتَّى يَجيءَ (بريام) مستعطفاً فيسلمه جثة ابنه (هكتور) لتدفن في احتفالٍ مهيبٍ، وهنا تنتهِي الإلياذةُ، أمَّا حكايةُ طروادة الأصلية فتروي نصر اليونان ومقتل كلٍّ من (آخيْل) و(باريس).
الأوذيسَّةُ: تروي في اثنَيْ عشرَ ألفِ بيتٍ مغامرات يوليسيز (أوديسيوس)، الذي رفض العودة مع الجيش اليونانِي بعد تدميْر طروادة، وشق طريقه في البحرِ، وقذفت بهِ الأمواجُ من جزيرةٍ إِلَى أُخرى وسط مغامراتٍ مخاطر، فِي حين تنتظر (بنلوب) زوجه و(تلماكس) ابنه عودته على أحر من الجمر، وعانَى (تلماكس) من خاطبِي أمهِ الطامعيْنَ بِمالِها ومتاعبه في البحث عن أبيه بعد عشر سنوات من حرب طروادة، ونرى مغامرات يوليسيز مع عروس البحرِ (كاليبسو)، وتتدخل الآلهة لإنقاذه ويظهر كذلك إخلاص زوجتهِ حين تُماطل الخاطبيْن بِحجة نسج رداءٍ لأبي زوجها فكانتْ تنقص ليلاً ما تغزلهُ نَهاراً، وهناك تفاصيلُ مُمتعةٍ لمغامرات يوليسيز مع إله البحر (نبتون) الذي أثار البحر عليه ولولا تدخل الآلهة لهلك، وكذا مغامراته مع سيكلوب (العملاق ذي العيْن الواحدة) ابن (نبتون)، وجولته في العالم السفلي حتَّى يعودَ إلَى بيته ويقضي على أعدائهِ وخدمه المُتنكريْنَ له.
أبرزُ السماتِ الفكريَّةِ والفنيةِ فِي الملحمتيْنِ:
كلتاهما تصفانِ مغامرات البطليْنِ آخيل ويوليسيز، ولكلٍّ منهما بداءةٌ ونِهايةٌ واضحتانِ، وتتسلسلُ الأحداثُ تسلسلاً منظماً يوفِّر الوحدة العضوية، وتَتوافرُ الموضوعية في الملحمتيْنِ فلا أثرَ مباشرٌ لذاتية الشاعر، وتتصفُ أفكار هومر بالبساطةِ والوضوح وهي تتدفقُ سريعةً متلاحقةً، ويصفُ شخصياتهِ وصفاً غيْرَ مباشرٍ عن طريق تأثيْر هذه الشخصيات في الآخرين، فلا يصف مثلاً جَمال هيلانة بل أثرها الساحر على شيوخ طروادة حيْنَ رأوها لأول مرة على أسوار المدينةِ، وصار هذا المشهد البديع مثار وحيٍ للشعراء الأوربييْنَ فيما بعدُ، ويستخدمُ هومر التشبيهات الطويلة المفصلة للتأثيْر في العمل الملحميِّ، وحاول أنْ يَحتفظَ بالتوازن بيْن الإنسانِ والآلهةِ؛ فأعطى الآلهة عواطف بشريةٍ كالحب والكره وتتدخلُ لترجيْح مواقف الأبطال لا لحسمها نِهائياً، وفي الملحمتيْنِ صورةٌ للحياة اليونانية البدائيةِ، فالملوك زعماء قبليونَ أو محليون يتولون جميع السلطات وإن كانوا يراعون الرأي العام، والمثل الأعلى هو الشجاعة والقوة وللحكمة والبلاغة تقديْرٌ خاصٌّ.
وتلتقي الملحمتانِ في كونِ موضوعهما الحربُ، والعنصر الدرامي بارزٌ وتنتهي نِهاية مفجعة، ولكنَّ الأوديسة تعتمدُ على عنصريْنِ مختلفيِنِ هما: المغامرة والحياة الاجتماعية، وهي أقل حماسةً من الإلياذة وتنتهي نِهايةً مزدوجةٍ: السعادة ليوليسيز والفجيعة لأعدائِهِ، وتعج بالسحر وتعلب فيها النساء دوراً بارزاً، وللملحمتيْنِ تأثيْرٌ في الأدبِ الرومانِيِّ وفي مطلع عصر النهضةِ.

الله يجيرنا منن عنا ياهن بالسنة الرابعة

شكراً زيزوس