أين النار ؟

عندما قال تعالى في الآية الثالثة والثلاثين والمئة من سورة آل عمران :

{ وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكم وجنَّةٍ عرضُّها السمواتُ والأرضُ أُعِدَّت للمتقين }

فلضعيف الإلمام بطبيعة اللغة أن يسأل :
إذا كانت الجنة عرضُّها السمواتُ والأرضُ فأين النار ؟

وهو سؤالٌ قد وُجِّهَ بالفعلِ في هذا الزمان، وردُّهُ من عدة وجوهٍ :

1 - سُئلَ النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ من أهل الكتاب هذا السؤال، فقال لهم :
( أينَ الليلُ إذا جاءَ النَّهارُ ؟ )
وهو ردٌّ مفحمٌ ، لأنَّ وجود الليل لا يعني إلغاء النهار لأنَّنا لم نعد نره.

2 - عن أبي هريرة رضي الله عنه - من رواية البزار - أنَّ رجلاً سأل هذا السؤال للنبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ فقال له :
( أرأيتَ الليلَ إذا جاءَ لبسَ كلَّ شيءٍ ؟ فأينَ النَّهارُ؟)
فقال السائل : " النَّهارُ حيثُ شاءَ اللهُ عزَّ وجلَّ " .
قال النبيُّ صلَّى الله عليهِ وسلَّمَ : ( كذلك النارُ تكون حيث شاء اللهُ عزَّ وجلَّ).

سبحان اللهِ بهذا المنطق الرائع يجيب أعظم مفكري البشرية ببساطة عن هذا السؤال الذي يبدو للوهلة الأولى مُحرجاً صعباً.

3 - قال ابن كثير في (تفسير القرآن العظيم ) معلقاً على الحيث النبوي والآية :

[ وهذا يحتمل معنيين :
أحدهما : أن يكون المعنَى في ذلك أنَّه لا يلزم من عدم مشاهدتنا الليل إذا جاء النهارُ ألاَّ يكونَ الليلُ في مكانٍ وإن كنَّا لا نعلمهُ، وكذلك النارُ تكونُ حيثُ شاء اللهُ عزَّ وجلَّ. وهذا أظهرُ.
والثاني : أن يكون المعنَى أنَّ النَّهارَ إذا تغشَّى وجه العالم من هذا الجانب فإنَّ الليل يكونُ من الجانب الآخر، فكذلك الجنة في أعلى عليين فوق السماوات تحت العرش، وعرضها كما قال الله عز وجل كعرض السماء والأرض، والنار في أسفل سافلين، فلا تنافي بين كونها كعرض السموات والأرض وبين وجود النار.].
انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.

4 - الكون الذي نحيا في جزءٍ صغيرٍ فيهِ ليس مقصوراً على السماوات والأرض، وإن كنَّا حتَّى الآن لا نعرف السماوات ماهي؟ فهناك فوق السماوات من ملك الله عزَّ وجلَّ ما لاتبلغه عقولنا ولا يصلُ إليهِ علمنا، لذا يكون من دعاء المسلمين في الركوع:
"اللهمَّ ربَّنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد" رواه الإمام مسلم من حديث أبي سعيد وابن أم أوفى.
وهذا ما أثبته العلم المعاصر حيث ملايين السنسن الضوئية تفصل بيننا وبين الكواكب البعيدة، والسنة الضوئية تقاس بمئات السنوات العادية، وبالتالي لو قسنا على قياسنا البشري فهناك مساحات هائلة ما وراء السماوات وأراضٍ كثيرةٍ غير أرضنا ..

5 - قال الله تعالى في الحديث القدسي :
( أعددْتُ لعبادي ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشرٍ).
فما نعلمه من علم الله تعالى - الذي علمنا إياه - لا يكاد يبلغ أتفه جزءٍ من الذرة، لقوله تعالى:
{وما أُوتيتم من العلمِ إلاَّ قليلاً}.
فالجنةُ والنارُ ينطوي تحت (ما لا نعلمه)!!

واللهُ أعلمُ.