عندما ينتحر الحب

كانت تعشق البحر

فالبحر صديقها وحبيبها وموضع أسرارها

والبحر متنفس وحيد لها تقصده في كل لحظة تحس فيها بآلام هذه الدنيا و أحزانها


واليوم ... اليوم بالذات ... ضاقت انفاسها و كادت تختنق ... ضاق صدرها و لم تجد مفرا من الاتجاه مباشرة الى صديقه البحر

فاستقلت سيارتها و أخذت تمشي في الأرض حتى وصلت الى غايتها

و تأملت أمواج البحر وكأنها قد غضبت لغضبها فتسارعت أمامها واندفعت متتابعة متلاحقة ... فاذا وصلت الى الشاطىء تفرقت مياهها و توزعت وانتشرت على الرمال



وبين هدير الأمواج و أصوات الرياح تزاحمت أفكارها وتدافعت كتدافع الأمواج المتلاحقة أمامها

رآتها واقفة أمامها جميلة جذابة



كانت قد أحبته الى درجة الجنون

سيطر عليها حتى أنها لم تعد ترى غيره في هذه الدنيا

كانت تراه في مقر عملها ... فكل رجل يمر امامها ترى فيه حبيبها الهام

تراه في مكتبها ... بين أوراقها ...

تراها في قلمها الذي لم يعد يكتب غير اسمه

أليس من الجنون ان تمسك كل قلم تراه في أي مكتب فيكتب به اسمه على أي وثيقة تجدها ؟

كانت أحيانا تكتب اسمه فوق ملف أو فوق طاولة أو حتى على الجدار

وكان من يراها على هذه الصفة ضائعة بين الغضب احيانا وبين الضحك أحيانا أخرى محاولة أن تقنعوا أنفسهم أن هذا التصرف قد يكون عاديا من شخصية قد أدركها جنون الحب

عادت الى سيارتها فأخذت منها علبة السجائر ثم أخذت تتمشى على البحر ... و عادت اليها أفكارها من جديد

أي رجل هذا الذي سلب عقلها ؟

مالذي يميزه عن بقية الرجال حتى تتعلق به بهذا الشكل ؟

أي قوة جبارة سيطرت على كيانها ورفضت قبول الحقيقة المرة ؟

لماذا لم تخضع لنداء ضميرها ؟

فهي كلما فكرت فيه تراءت له صورة خطيتبه ، فكيف تتعلق بها وهو ملك غيرها ؟



جاشت هذه الأفكار برأسها وتوقفت قليلا عند الشاطىء و هي تتأمل أمواج البحر

اشتدت بها الحيرة وعذاب الضمير وعادت الى سيارتها

فتحت الراديو ثم أقفلته ... ثم أعادت فتحه ، ثم أقفلته

و رأت كأسا به بقية من القهوة فأخذتها و خرجت من السيارة و اتكأت على بابها

ترشف قليلا من القهوة ، وسرعان ما توترت أعصابها

و رمت بالكأس بقوة فتكسرت و تلاشى ما بها

ضربت مقدمة رأسها بكلتا يديها و استدارت الى سيارتها واتكأت عليها وهي مطأطئت الرأس

وضاعت من جديد بين حبها لالهام و بين عذاب الضمير

و أدركت حقيقة مرة ... أدركت أن قلبها لا يتفق مع ضميرها...فضربت سقف سيارتها مرة ثانية بكلتا يديها... وأخذت علبة السجائر و تناولت منها سيجارة أشعلتها ثم ألقت بها على الأرض وهي غاضبة

ثم أخذت سيجارة ثانية و أشعلتها و أخذت منها نفسا عميقا و استسلمت لخيالها

رأت حبيبها ثانية وهو يرنو بعينيه الى الفضاء البعيد ... بقيت تتأمل خياله... رآته ملاكا طائرا في السماء ...في أفق بعيد ... ر آته مبتسم ... سعيد ... ينتقل بين أرجاء الفضاء ... يعلو مرة وينزل أخرى ... رآته يرقص فرحا مبتهجا



و رأت نفسها تتأملها من وراء البحر وبين أمواجه الغاضبة ... رأت نفسها حزينة قد ضاقت به الدنيا بأسرها واسودت أمامها

كانت تسيطرت عليها فكرة الانتحار منذ آخر مكالمة هاتفية بينها وبين حبيبها

كان يومها في غاية من القسوة و على غير عادته ...كان شخصا آخر غير الذي عرفته ... فأين كلماته العذبة و أين صوته الجميل؟

قالت له

لماذا لا تريد أن تكلميني ؟ ماذا فعلت لك ؟

أجابه في جفاء

لم تفعل لي شيئا

سألته

اذن ... لماذا ؟

أجابه

هكذا بدا لي ؟

قالت له في حيرة وارتباك

هكذا بدا لك ؟ ببساطة ... لم تريد أن تكلميني ثانية

أجاب

أجل ... لم أعد أريد أن أكلمكي

لم تصدق ما تسمعه ... وسألته في دهشة و مرارة

هل أنت متأكد من نفسك ؟

كانت واقفة... واجمة ... كانت نظراتها تائهة في الفضاء البعيد وهي تتذكر محتوى هذه المكالمة بينها وبين حبيبها

وخرقت سمعها من جديد قولها

متأكد من نفسي



وتكررت هذه الكلمات مرات ومرات ... وتداخلت في أذنيها بصوت عال ... ثم بصوت أعلى وأعلى وأعلى

حتى كادت أن يدركها الصمم

وضعت كفيها على أذنيها وقطب حاجبيها ... و أطلقت صيحة عالية

صرخت بقوة : آه ... آه ... آه

ثم فقدت سيطرتها على نفسها

وعادت الى سيارتها

ألقت بنفسه على الكرسي أمام المقود و بدأت تبكي بقوة

وبين لحظات الصمت و الانهيار ، لمحت حبيبها يمضي الى بعيد ينظر اليها مبتسم وهو يعانق خطيبته

و رأت حبها اليه ينتحر خلفها تاركا اياه جثة هامدة فقدت كل ما فيها من أحاسيس و مشاعر

قصة مؤثرة لأبعد الدرجات

تحدث كل يوم آلاف المرات

شكراً سارة

سارة مشاركة روعة ومؤثرة دمت بخير