ارتبطت
كلمة (المقهى) بالقهوة!! وهذا يقودنا إلى البحث عن سر هذا التزاوج بين المقهى
والقهوة، وأين بدأ أول مقهى في التاريخ، حتى أصبحت عادة شرب القهوة مهيمنة على
قطاعات كبيرة من شعوب القارات في البيوت والمنتديات وأماكن العمل. وأصبح التفنن في
صناعتها، وتنوع أشكالها، أحد الأسباب لاجتذاب المزيد من عشاقها لارتياد المقاهي
وصار شرب القهوة مرتبطاً ببعض العادات والتقاليد، ففي بعض البلاد العربية، يقدمونها
مُرَّةً في الأحزان، والبعض الآخر يضيف إليها السكر في المناسبات السعيدة، أما في
البادية، فإن دلة القهوة، أصبحت جزءاً مهماً وملازماً لحياة البدو في حِلّهم
وترحالهم
المقهى الأول
كان
خيربك (حكمداراً) على مكة، وحدث ذات يوم
بينما كان يقوم بتفقد أحوال المدينة، أن رأى رجالاً يتحلقون حول موقد بدائي، ويصبون
في أكوابهم سائلاً أسود اللون، فاستشاط غضباً ، وأمر بإلقاء القبض عليهم جميعاً
بتهمة شرب الخمر علانية
! لكن أحد ضباطه شرح له خصائص ذلك السائل الأسود، وكيف أنه
لا يمت للخمر بصلة، ولأن الضابط يعرف أن الحكمدار من أتباع الطريقة الشاذلية، فما
كان منه إلا أن ذكر له أن الشيخ الشاذلي كان يشرب من هذا السائل، فتساءل خير بك:
أمعقول هذا؟ شيخنا الشاذلي يشرب من هذا السائل؟! فأجابه الضابط: نعم يا خيربك وهناك
من الأخبار ما يؤكد أن الشيخ الشاذلي كان يزرع نبتته قرب بيته في اليمن. لأنه قد
راقب الماعز التي كانت ترعى قرب داره، فرآها تأكل من ذلك النبات فتنتشي، وتذهب
قافزة هنا، وهناك.. فأدرك أن تلك الحيوية بفعل ما أكلت، فأخذ بعضاً منه، واستخلص
منه العصير، فأصبح أول رجل في الدنيا كلها يشرب القهوة، فلما سمع خير بك ذلك، أمر
بإخراج السجناء، وصار هو يشرب من ذلك السائل الأسود! فلما أحيل الحكمدار إلى
التقاعد في اسطنبول عام 1511م، فكر في تقديم ذلك السائل الأسود في مكان يخصص
لتقديمه للناس نظير سعر معلوم، وحصل من السلطان على حق احتكار افتتاح أماكن عدة في
مناطق مختلفة، وأطلق عليها >مقاهي< ليفرق المرتادون بينها وبين الحانات. فكان
بذلك- خيربك- أول من افتتح مقهى في العالم
، ثم أسس مقاهي متعددة في أماكن أخرى من
تركيا، ومنها مقهى كان يطل على شواطئ البوسفور، ويقوم بالخدمة فيه جورج اليوناني
الذي أتقن أسرار المهنة بمهارة، وعرف السبيل إلى استيراد حبوب البن، وما هي إلا
فترة وجيزة، وإذا به يفتتح مقهى خارج حدود تركيا وفي وسط مدينة أثينا! قد استثار
هذا الأمر غضب خيربك
الذي كان يطمح إلى نشر شبكة من المقاهي في العالم، واحتكارها
لنفسه، ففكر في جعل بعض مقاهيه، أشبه ما تكون بالمنتديات الأدبية، فصار يدعو كبار
الشعراء، والكُتّاب، والمفكرين، والعلماء.. وإذا بهذه الفكرة تلقى نجاحاً منقطع
النظير، وتنتشر في أوروبا كلها، بعد أن انتشرت المقاهي نفسها في معظم الشوارع
الرئيسية في أوروبا، من فيينا إلى لندن وباريس، وغيرها، وبدأ ذلك منذ عام 1683