السؤال:
ما أسلم طريقة لطالب العلم في إتقان النحو، وتقويم اللسان؟
الجواب:
بداية لابد من الاعتراف بأن علم النحو من العلوم الصعبة، ولكنَّ هذه الصعوبة تقل تدريجياً عند الاهتداء إلى الطريق القويم لتعلُّم هذا العلم.
والطريق القويم والمنهج السليم - فيما أرى - يكون على النحو الآتي:
أولاً: إخلاص النية عند طلب هذا العلم وغيره، فمن أقبل على هذا العلم، أو على غيره فإن عليه أن يُخلص في طلبه، ويقصد وجه الله - تعالى - وبالنظر إلى هذا العلم بالذات فإن توجيه النية للقيام بخدمة كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وبهذا القصد تسهل الصعوبات لأن طالب العلم يعرف أنه مأجور بنيته.
ثانياً: التدرج في طلب هذا العلم، فيشرَع أولاً بالنظر في المختصرات كـ"الآجرّومية"، والميسر من شروحها، ويمكن الانتقال بعد ذلك إلى "قطر الندى" و"شرحه"، ثم إلى "ألفية ابن مالك" وشروحها، ثم إلى "شرح المفصل" لابن يعيش، ثم يكون النظر بعد ذلك لمن يريد التخصص في هذا العلم فينظر في مصادره الأصيلة الكبرى كـ"شرح الرضي" للكافية، وكـ"تسهيل ابن مالك" وشرحه، كـ"الأصول" لابن السراج فـ"المقتضب" للمبرد فـ"كتاب سيبويه".
ثالثاً: ثنيُ الركب أمام العلماء الذين يقومون بتدريس هذه العلوم، وعدمُ الاعتماد على القراءة الفرديِّة، وقد قالوا قديماً: من كان شيخَه كتابُه كان خطؤه أكثرَ من صوابه. ولا بأس أن نبين السبب في هذا الاتجاه، وهو أن دقائق العلوم ونكتها، لا يستطيع الوصول إليها كل شخص بمفرده، في حين أن المتبحر في العلم قد عرَف العلاقات بين المسائل، ويستطيع الربط بينها، والموازنة بين مختلف الآراء، كما يستطيع الوصول إلى مصادر المسألة، وأماكن وجودها.
رابعاً: بذل أقصى الجهد في سبيل التحصيل العلمي، فإن العلم يعطيك بعضه إذا أعطيته كلَّك، وإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، وهذا غير خاص بعلم النحو، بل هو عام في جميع العلوم.
خامساً: الالتزام بالمبادئ والمثل، وهذا سبب هامٌّ جداً؛ ذلك أن الالتزام يمنع من اتباع سبيل الغي والضلال، ويدفع إلى الجِدِّ، وسلوك سبيل الحق، وإذا كان طالب العلم متقياً لله – تعالى - مجتنباً ما نهى الله - عز وجل – أعانه الله على تحصيل ذلك العلم، ولعل مما يؤيد ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ}؛ [البقرة: 282].
سادساً: الحرص على الصحبة الطيبة التي تدل على الخبر وتعين عليه، وتحذر من الشر وتصرف عنه.
سابعاً: إعطاء كل ذي حق حقه، فالعلم له حقه، والأهل لهم حقهم، والنفس لها حقها.
ثامناً: العناية بالوقت، والمحافظة على كل دقيقة للإفادة من كل لحظة، فالوقت هو الحياة.
دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثوان
تاسعاً: تنظيم الوقت ورعايته، والحرص على أداء كل شيء في وقته، وعدم تأجيل ما يمكن عمله اليوم إلى الغد.
عاشراً: علم النحو له أهداف عديدة، لعل أولها تقويم اللسانين القلم في الكتابة، واللسان في الكلام والخطابة، فكيف نستطيع تقويم أقلامنا وألسنتنا؟ لعل مما يساعد على ذلك:
أ - كثرة القراءة الصحيحة بصوت مسموع.
ب - الاستعانة - بعد الله - بأستاذك لتصويب القراءة، ولبيان ما يمكن أن تقع فيه من خطأ.
ج - الاستعانة بالزملاء الجيدين الذين تعرف أنهم يجيدون القراءة، ويحسنون الكتابة، فتسمعهم قراءتك، وتريهم كتابتك.
د - محاولة غسل الخجل، والتدرب على الجرأة في القراءة.
هـ - المجال التطبيقي للنحو هو الإعراب، وهناك عدد من الطرق تعرِف بها نفسك، وصحة تطبيقك الإعرابي؛ كإعراب نص من النثر أو الشعر أمام أستاذك، أو زميلك المتميز الجيد، ومن ذلك اختيار آية كريمة أو آيات، والقيام بإعرابها كتابة، ثم مراجعة إعرابك الذي كتبته على أحد كتب إعراب القرآن، وبخاصة الكتب التي تُعرب جميع القرآن، ككتاب "الجدول في إعراب القرآن الكريم"، أو كتاب "إعراب القرآن الكريم وبيانه" لمحي الدين درويش، ومثله أيضاً إعراب بعض الشواهد الشعرية في الكتب النحْوية التي حققها محمد محي الدين عبد الحميد، ثم مراجعة إعرابك الذي كتبته على ما كتبه المحقق في حواشي هذه الكتب، ومن هذه الكتب التي أعرب شواهدها كتاب "أوضح المسالك" لابن هشام، وكذا "شرح قطر الندى" له أيضاً.
ثم بعد ذلك تتفكر فيما وقعت فيه من أخطاء في الإعراب، وتتبين السبب فتتجنبه.
ومع تَكْرار هذه العملية فإنك ستتقوى بإذن الله.
و - أرى أن الاطلاع على المؤلفات النحوية المعاصرة، والتمعن فيها مما يسهل تحصيل علم النحو، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب "النحو الوافي" لعباس حسن، وهو كتاب عظيم القدر، جليل الفائدة، وهو صالح للمستويات العلمية المختلفة، وذلك أن مؤلِّفه قد جعله ثلاثة أقسام؛ قسم للمبتدئين مع اختصار واضح، وقسم للمتوسطين، وهو أوسع من سابقه قليلاً، وقسم للمتخصصين وطلبة الدراسات العليا.
وأوصي أيضاً بالاطلاع على شرح الدكتور عبد العزيز الحربي لألفية ابن مالك، ولم أر أيسر من هذا الشرح للألفيَّة؛ وذلك لحرصه على اعتماد الرأي الراجح، والدكتور مذكور بالخير، ونحسبه سليم الفكر والعقيدة، ولا نزكي على الله أحداً، وقد ذكر في أول الشرح مئة قاعدة نحْوية، أرى أنها استوعبت معظم الأمور الكلية النحْوية.
منقول للفائدة