باريس .. البداية :
ظهرت المدن وتكونت في مراحل تاريخية مختلفة نتيجة للحاجات المادية والاجتماعية و الروحية لساكنيها .. بدأت باريس كمعظم التجمعات البشرية قرية صغيرة على ضفاف نهر السين في منطقة La cité’ وتطورت عفويا ، احتلها الرومان و بنوا حولها سورا وذلك لحماية المدينة من هجمات البرابرة المستمرة .
زمن الإقطاع (1200 -1400 ) :
بدأت ملامح المدينة تظهر بشكل أوضح في العهد الإقطاعي حيث كان مخطط المدينة في تلك الفترة ذو طابع عفوي مركز المدينة منطقة La Cite’ التي توضع فيها كل من قصر الحاكم والكنيسة وقد أدت التغيرات الاجتماعية في المدينة إلى ظهور أبنية جديدة كالجامعات والكاتدرائيات و أخذت شوارع المدينة شكل الحلقات الغير منتظمة مع شوارع عمودية عليها تصل أقسام المدينة بالكنيسة و قصر الحاكم كما بني لها سور آخر لحمايتها من هجمات الأعداء .
وعلى الرغم من التغييرات التي طرأت على المدينة ظهرت مشكلة خطيرة إلا وهي تدهور الوضع الصحي في المدينة بشكل كبير وذلك بسبب التزايد الكبير في عدد السكان ، تراص الأبنية ، فقدان المرافق الصحية و انتشار الصناعات داخل المدينة .
المدينة من 1400 – 1600 :
إن تغير نوعية العلاقات الاجتماعية و السياسية والاقتصادية أدت إلى تغيرات في بنية المدينة ككل ، فظهرت مؤسسات جديدة كالبلديات و البورصة و المجالس البلدية ، وتأثرت الساحات العامة بالأشكال الهندسية المنتظمة كالمستطيل و المربع ، واستقامت الشوارع وسويت كما ظهرت الأبنية الهامة على أطراف الرئيسية منها، وبني جدار ثالث حول المدينة .
وعلى الرغم من المحاولات العديدة لتحسين الوضع الصحي في المدينة بتحسين شبكات الصرف و محاولة نقل الصناعات الملوثة إلى خارج المدينة إلا أن الوضع كان من سيء إلى أسوأ .
المدينة من 1600 – 1850 :
سيطر النظام الملكي على فرنسا و اضمحلت السلطة الدينية ، في محاولة لتخليد وإرساء السلطة هدم الجدار الأول في باريس وأعيد وتنظيم المناطق بأسلوب هندسي وخاصة في الساحات الملكية ( كالفوج و الفاندوم )، كما نقل المركز السياسي إلى قصر فرساي .
بنيت المباني بنظام الأبنية المتصلة في تلك الفترة و قد وصلت إلى 10 طوابق نظرا للحاجة المتزايدة للسكان وشق الشارع الحلقي الأول المنظم The Course وطوق المدينة حتى شمالي نهر السين .
في عام 1793 وبأمر من لويس الرابع عشر وضع أول مخطط تنظيمي لمدينة باريس وهو أول مخطط رسمي ظهرت فيه الضواحي غير المنظمة في المدينة .
وبقيت مشكلة الصرف الصحي و التزويد بالمياه قائمة حتى عهد نابليون الثالث.
في عهد نابليون الثالث – تخطيط هاسمان للمدينة :
تم إنشاء العديد من الفعاليات على مستوى المدينة كشق خطوط النقل للقطارات و البواخر مع تنظيم ساحات الحركة أمام المحطات .
عين نابليون الثالث جورج يوجين هاسمان رئيسا لبلدية باريس ، وفي عهده نقلت المدينة نقلة نوعية على المستوى العمراني و التخطيطي .. حيث طلب مخططا مفصلا للمدينة ، وهدم مناطق الضواحي و أعاد بنائها على أسس صحيحة وفتح قلب المدينة La cite’ الذي كان مهملا لقرون عديدة ، ومرر منها و حولها شرايين الحركة ، كما أنشئت الشوارع القطرية و حسنت الشوارع الرئيسية في المدينة ( Rue de Rivoli , Starsbourg , Sebastapol , St Michel ) .
وقد انشأ هاسمان أول حديقة على مستوى باريس حديقة Bois de Boulogne والتي كانت اكبر حديقة أنشئت في تلك الحقبة.
اعتمدت أنظمة الارتفاعات وتأثيرها على عرض الشوارع فاختلف عرضها تبعا لارتفاعات الأبنية المجاورة ( 12.5 للأبنية المتوسطة الارتفاع و 17.5 للأبنية العالية ) وذلك لتأمين التشميس الأفضل للمباني و تحسين الشروط الصحية للسكن .
كما قام هاسمان بتحسين الصرف الصحي للمدينة وذلك بإنشاء شبكة صرف صحي متكاملة للمدينة .
على الرغم من تحسن شروط الحياة الملائمة في المدينة بشكل كبير إلا أن تخطيط هاسمان أدى إلى تفكك الحياة الاجتماعية في باريس .
من 1900 إلى الحرب العالمية الثانية :
تفاقمت أعداد السيارات والعربات في تلك الفترة مسببة مشكلة حقيقية لحركة المرور في مدينة باريس و خاصة في مركزها وعلى الرغم من ظهور نظام الأنفاق إلا أن مشكلة الازدحام لم تحل مما أدى إلى نشوء دراسات كثيرة في تلك الفترة أهمها
دراسات المعماري يوجين هنارد الذي نتجت عن دراساته مجموعة من الاقتراحات منها:
- الحاجة إلى شرايين حركة للسيارات في مركز المدينة .
- إنشاء شوارع شعاعيه عمودية على الشوارع الحلقية .
- تقاطع الشوارع على مستويين مع مراعاة وجود ممرات المشاة المعزولة عن حركة السيارات .
- الحفاظ على الأماكن التاريخية
- أهم الاقتراحات: نظام الدوران اليمني في السير والذي انتشر بعدها في كل أنحاء العالم .
بعد الحرب العالمية الأولى ، رممت الكثير من المناطق المتضررة من المدينة ، وضع هنري بروست احد مساعدي هنارد المخطط الرئيسي لمدينة باريس الذي تضمن شبكة الطرق والحدائق المحيطية تربط المدينة مع بعضها.
باريس بعد الحرب العالمية الثانية 1945 -2007 :
تغير وجه المدينة في الفترة ما بين 1945 – 1975 حيث شهدت باريس نهضة معمارية واضحة وخاصة بظاهرة الأبراج والمباني المرتفعة بالإضافة المشاريع التخطيطية في المدينة التي أهمها تجديد المناطق القديمة والمحافظة عليها ، تحسين واقع الشوارع والساحات وإزالة الصناعات من قلب المدينة .
عادت أفكار هاسمان للظهور في عام 1980 من حيث تراتب المباني على طول الشارع ، تنوع الأشكال والحجوم وظهر ذلك واضحا في المنطقة الإدارية ال 13 ( باريس مقسمة إلى 20 منطقة إدارية ) .. بينما بلغت النهضة المعمارية أوجها متأثرة بعمارة الحداثة و ما بعد الحداثة .
منقول للفائدة