الأخصائي النفسي "محمد بكري".. يحلل مفهوم الذكاء!!

مفهوم الذكاء: كثيرا ما يتحدث الرجل العادي عن الذكاء، وكذلك عالم النفس المحترف. ولا تتطابق دائما المعاني التي تعطي اللفظة، وقد تبدو حقا في بعض الأحيان متناقضة. ومع هذا فهناك اتفاق عام على أن الذكاء –مهما يكن- ليس بشيء كالطاولة أو الكرسي أو الكتلة المعدنية المستطيلة، وإنما هو مفهوم، أي لفظة ذات معنى لا يمكن فهمها إلا استنادا إلى زمرة من الحقائق والنظريات المرتبطة بها.
وقد يغيب هذا الأمر عن البال في حرارة المنافسة في الذكاء من جانبي وراثته و تضمناتة الاجتماعية. بيد إن اعتبار الذكاء مفهوما له – كما سنرى – أهمية حيوية في محاولة فهم دلالته تماما، وحدوده وكيفية تعريفة وقياسه، وفيما إذا كان موروثا أم لا. والموقف هنا هو ان الذكاء كمفهوم عملي يماثل تماما مفهوم درجة الحرارة والمفهومات العلمية الأخرى، وان الصعوبات التي تنشأ عن قياسه لا تختلف عن تلك التي تنشأ عن قياس درجة الحرارة، أو المفهومات العلمية الأخرى.

- التطورات الحديثة: وفي القرن الماضي، تابع فكرة الذكاء كل من الفيلسوف هربرت والإحصائي كارل بيرسون ابن خال داروين العبقري الجامع السير فرنسيس غوردون وادخلوا إلى دراسة الذكاء أفكار القياس والتطور وعلم الوراثة التجريبي. وينبغي ان يضاف إلى إسهاماتهم علماء الفسيولوجي وخصوصا إعمال جاكسون الإكلينيكية واستقصاءات شرنجتون التجريبية، ودراسات الدماغ المهجرية التي قام بها كامبل وبرودمان وآخرون، اذ أسهم هذا العمل الفسيولوجي كثيرا في تأييد نظرية سبنسر في "تراتبية الوظائف العصبية "التي بموجبها يتطر ضرب أساسي من النشاط وفق مراحل محددة تماما الى صيغ اكثر رقيا وتخصصا، فقد وجد ان الدماغ يعمل دائما كوحده واحدة وان نشاطه بحسب تعبير شيرنجتون "يجري في انماط لا يتفرق على نحو حيادي ". وفي وقت لاحق آسهم لاشلي بمفهوم "الفعل الإجمالي"للدماغ الذي ينص على إن الأفاعيل العقلية تحكمها مناطق واسعة من الدماغ، بدلا من المناطق الصغيرة المتخصصة، وحدد العديد من الكتاب الفعل الإجمالي بأنه مطابق للذكاء من ناحية نظرية.

- الذكاء واللغة: لقد كانت بداية الاهتمام بميدان الذكاء منصبة على فئة ضعاف العقول حين حاول الطبيب الفرنسي ايتارد خلال العقد الأول من القرن التاسع عشر على إن يدرب الطفل المتوحش الذي اشتهر باسم طفل افيرون. وقد توبعت هذه التجربة باهتمام كبير لأنها كانت تعتمد على نظرية روسو في الطبيعة البشرية ومن أهم التطورات اللاحقة ما حدث حين نشر الطبيب الفرنسي اسكيرول "1772-1840"كتابا من جزئيين بعنوان الإمراض العقلية ميز فيه بين الجنون او فقدان العقل الذي فيه يفقد المرء القوة العقلية التي كانت تتوفر فيه وبين الضعف العقلي الذي لا تتوفر فيه هذه القوة.
ويعود الفضل إلى اسكيرول في انه في عصر سيادة أفكار أصحاب نظريات فراسة الدماغ، وعلى رأسهم جال وخرافاتهم، نجده يقترح محكا سيكولوجيا وظيفيا في تصنيف ضعاف العقول إلى فئات اعتمادا على استخدام اللغة. فالضعف العقلي يتفاوت على مدى متصل من مستوى السواء إلى مستوى العته وكانت الطريقة التي يستخدمها في تصنيف درجات الضعف العقلي وفئاته هي مقدار استخدام الفرد للرموز اللغوية وبذلك ميز بين درجتين من البله، في أولهما يستخدم الفرد الكلام بسهولة ويسر، وفي ثانيهما يزداد الكلام صعوبة ويقل المحصول اللغوي كما ميز بين ثلاثة مستويات من العته : في أولهما يستخدم الفرد عددا من الكلمات أو أشباه الجمل القصيرة، وفي ثانيهما يمكن للمعتوه إن ينطق بعض الصيحات أو المقاطع، وفي المستوى الأدنى يعجز المعتوه عن استخدام اللغة تماما. ومن الظريف إن نذكر إن المحكات الحالية لتحديد الضعف العقلي هي في اغلبها لغوية، وان اختبارات الذكاء الحالية مشبعه إلى حد كبير بالمحتوى اللغوي، كما ان القدرة اللغوية تلعب دورا هاما في مفهومنا الحديث عن الذكاء.

وان كان الفضل يعود إلى اسكيرول باعتباره رائد حركة تشخيص الضعف العقلي فان تنبهه الى دور اللغة في فهم الذكاء يعاد له قيمته في ذاته، إلا إن الطبيب الفرنسي سيجان يكاد يتجه في فهمه الى الذكاء الى الاتجاه الغير لغوية، ومن هذا المنظور راد حركة تدريب ضعاف العقول مستخدما ما يسمى "الطريقة الفسيولوجية" التي تعتبر الأساس الذي تعتمد علية الطرق الحديثة في هذا الميدان، وفيها يتلقى ضعاف العقول تدريبا مركزا على تمييز الحسي وتنمية الضبط الحركي، وقد أدخلت معظم الوسائل التي استخدمها سيجان لهذا الغرض فيما يسمى اختبارات الذكاء العملية وغير اللغوية، ومن أشهرها لوحة الإشكال لسيجان، والتي تتكون من كتل خشبية مختلفة الإشكال يضعها المفحوص في أماكنها بأسرع ما يمكن.
- المعنى الفسيولوجي للذكاء: اكدت البحوث الاكلينيكية المبكرة التي قام بها جاكسون، والبحوث التجريبية التي اجراها شرنجتون، والدراسات الميكروسكوبيه للمخ التي قام بها كامبل وبراود مان صحة نظرية سبنسر في وجود "نظام هرمي للوظائف العقلية"وبخاصة عند دراسة اللحاء عند ضعاف العقول والاسوياء.

وتؤكد الدراسات التجريبية للمخ نفس النتيجة، فالمخ يعمل ككل ولا يوجد جزء من المخ يعمل منفصلا تماما عن باقي الاجزاء كما اقترح الدعاه التموضع اللحائي من انصار نظرية الملكات فالنشاط العصبي كما يكون شرنجتون يتميز بخاصية "التنميط "التي تتضمن بدورها خاصية "التكامل ". ويدعم هذه النتائج لاشلي عن "نشاط الكتلي للمخ "وقد اقترح عدد من العلماء الفسيولوجيين وعلى رأسهم شرنجتون لاشلي اعتبار هذه النشاط الكتلي مطابق لمفهوم العامل العام او الذكاء العام.

-الذكاء والنجاح المدرسي: لا ريب في ان هنالك علاقة وثيقة الى حد معقول بين الذكاء العالي والنجاح في المدرسة عند قياس النجاح في المدرسة بالمعلومات المكتسبة ومدة الدراسة فيها.فالطلبة ذوو الذكاء العالي يميلون الى اكتساب علامات عالية والى الاستمرار في المدرسة لمدة اطول، في حين يميل الطلبة ذوو الذكاء المتدني الى التقصير في العمل الصفي،والى تسرب مبكرا من المدرسة. ولقد تمت ملاحضة هذة العلاقات بثبات عبر سنوات عديدة وفي بلدان عدة. وتكون الارتباطات اعلى ما يمكن للمباحث الاقل اكاديمية كالتربية البدنية. وقد تختفي هذة الارتباطات للمباحث غير الاكاديمية تماما على الرغم من وجود ارتباطات ضئيلة عادة لبعض المباحث كالخياطة والطبخ.
-الذكاء والنجاح الأكاديمي: بالإضافة إلى التحصيل الأكاديمي للأطفال وأيضا التحصيل الأكاديمي للطلبة الجامعيين يوجد ارتباط بين الذكاء والنجاح،إلا أن بالطبع ارتباط غير عال جدا،و يعزى ذلك ببساطة إلى إن مدى ذكاء الطلبة المقبولين في الجامعة ضيق تماما :فكلما نجد طالبا بنسبة ذكاء دون (111او115 ). ولقد حسبت الارتباطات لآلاف من الطلبة الجامعيين، ووجد أنها تتفاوت من جامعة إلى أخرى تبعا لمدى ذكاء الطلبة المقبولين.ومرة أخرى نجد علاقة غير منتظمة بين الذكاء و التحصيل،فالذكاء ضروري للتحصيل الأكاديمي إلا أنة غير كاف.

- الجنس والعمر والذكاء: قام عمل بينه ومفهوم الذكاء بالطبع، على فكرة ان الذكاء ينمو بالعمر، وعلى نحو متزايد حتى أواخر المراهقة، وربما بعد ذلك بقليل. وهذا الازدياد في الذكاء بتقديم العمر كان المعيار الأول والأساسي الذي تم بمقتضاه محاكمة فقرات الاختبار، ولم تكن، كما قد نبه الية بعض النقاد، تلك الفوارق بين إفراد الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة.

ومع ان المعيار مستقل بصورة أساسية عن المعيارين الداخلي والخارجي، الا انه لحسن الحظ يتوافق مع الاستنتاجات المشتقة من كليهما:فاختبار الذكاء الجيد، في ضوء معيار الارتباط باختبارات الذكاء الأخرى، وفي ضوء المعيار الخارجي أي معيار أظهار فوارق كبيرة بين الناجحين وغير الناجحين تربويا وأكاديميا، يظهر عادة أيضا ارتباط بالعمر يتزايد بتزايده.فان مفهوم الذكاء واسع وكبير وعلينا نحن المختصين بهذا المجال تطوير أدوات تساعدنا على توضيح مفهوم الذكاء، لا أن نستخدم ونترجم اختبارات أجنبية ونطبقها على أولادنا بل نخترع ونبني اختبارات خاصة بنا تخلد بالتاريخ مثل الأسماء التي ذكرت في المقال التي سعت لتحديد معنى ومفهوم الذكاء. نتأمل التقدم مع جزيل الشكر.

لولي

يعطيكي العافيه
لوليتاااا
معلومات وتحليل انا شخصيا عجبني كتير

نورتووووووو