ما أنا إلا أحد الشهود على ما نحن فيه . وهناك من سجلوا شهاداتهم قبلي, وآخرون مشغولون- ربما الآن أو بعد قليل- بإعداد شهاداتهم. لكنني وهؤلاء لا ننهض بهذا العبء من قبيل إبراء الذمة فليس منا من يستطيع ادعاء تبرئة نفسه من أحوالنا. نحن جميعاً شهود ومتهمون في آن واحد, وفضل الشهادة أنها تنبه وتحذر وتقترح للحل, كلّ بقدر اجتهاده وأمانته.
فالمشاكل متنوعة والمعاناة أشكال وألوان. وأبشع ما يصيب الإنسان إحساسه بالعجز, ولا أظن أننا عاجزون بالرغم من إحساس البعض بذلك أو ببعضه. وكل ما أرجوه بعد نظرة متأملة متأنية على الأحوال ألا يخيب أملي في شيوع المحبة. فلن يخلف المرء وراءه – ولم يخلف من قبل – سوى شرف المحاولة , أصابت أم خابت.
كلنا نشكو, ولنا جميعاً الحق في شكوانا. وإذا كنا نحس أسفاً على ما آلت إليه أوضاعنا الأخلاقية وما آلت إليه قيمنا مما يمسّ الضمير العام, إلا أننا جميعاً خلال التعبير عن هذا الأسف, ننسى أن ما نشكو منه هو في واقع الأمر نتاج لما حدث على مر السنين. بمعنى أن ما يشكو منه البعض- وهو طرف فيه أو شاهد عليه – قد يتجاهل أصحابه أن لهم بالمثل ممارسات يمكن أن تكون مثار شكوى آخرين . ومن هنا يصبح على المجتمع كله أن يتفق على أن الإصلاح وتدارك الأخطاء وإيقاظ الضمير العام مسئولية جماعية تضامنية. وبدون ذلك لا أظن أن الضمير العام سيسلم من اتساع الثقوب التي كلما حاولنا رتقها, أخفقنا بل وفوجئنا بالمزيد من الثقوب.
وثمة ما هو أدهى وأمرّ , وهو الانتقاص من حقوق الآخرين, فيأخذ من لا حقّ له ما هو من نصيب غيره ؟؟؟ أليس هذا ناقوس خطر ينذر بأن الثقوب في الضمير الاجتماعي العام قد اتسعت, طالما نسمع مثل هذه الروايات دون أن تبدو علينا أمارات الاستغراب والدهشة !!! بل قد نعتبر ما نسمعه, من الأمور المعتادة هذه الأيام. كما قد تصل مأساة الضمير الاجتماعي العام إلى حد النطق ببعض العبارات التي تنطوي على شيء من الاعجاب " بشطارة وفهلوة " فرسان هذه الحكايات .
والمعنى العام الذي أريد تأكيده أن ما يصيب جدار الضمير الاجتماعي من ثقوب – ضيقة أو متسعة – هو أمر جدير بالمراقبة والمتابعة, على أن تكون هذه المراقبة جماعية كي نسد هذه الثقوب, بل علينا – وهذا أضعف الايمان – أن نضيقها كلما أمكننا ذلك. وهذا لن يتأتى إلا إذا عمل كل منا على إيقاظ هذا الضمير الاجتماعي العام بالحرص على أن يطمئن الضمير الفردي أولاً – رافد الضمير الاجتماعي العام – إلى أن الثقوب الضيقة أو المتسعة لم تخرقه.
مقتبس من كتاب " ثقوب الضمير الاجتماعي " .. أحمد عكاشة – 1993
هذه الكلمات كتبت من قبل كاتب مصري في العام 1993 إلا أنني وجدتها تعبر عن حال مجتمعنا وكأنها كتبت عنه.
(( صديقكم إسماعيل ))