-حان وقت رحيلي.
-أرجوك! لاتقل رحيلي، لأنّها تحمل من الخوف ما يجعل قلبي يرتجف جزعا.
-اهدئي حبيبتي.
-كيف أهدأ؟!أنا أعلم أنّك ذاهب إلى ما يشبه الموت!!
-بلادي تناديني يا حبيبتي، ومن واجبي أن ألبّي النداء، سأعود على رأس جيشي منتصرا، وسألقاك، ونتزوّج، ونعيش بسعادة لا مثيل لها.
-هل تعدني؟
-أعدك، أعدك أنّني سأبقى بجوارك حتى تملّ الأرض من الدوران حول الشمس؛إلى اللقاء يا حبيبتي.
*سنوات مضت، وماري تنتظر عودة حبيبها شارل، ولكن ما من أمل يلوّح في الأفق، كانت تقف قرب النافذة تتأمل طيور البجع تسبح في مياه البحيرة، تحسب عدد الأيام التي غابها شارل عنها:
-لقد غاب حبيبي عنّي ألفا وخمسة وتسعين يوما وثمانية عشر ساعة!
لكنّه سيأتي حتما.
*ومن خلفها تسمع صوتا حنونا يقول:
-حبيبتي.
-شارل! أنت هنا؟!
والتفتت خلفها، إنّه هو، بقامته المهيبة وطلّته الساحرة وبدلته العسكرية الأنيقة المزيّنة بالنياشين والرّتب الذهبية؛ ولكن لحظة، لماذا يبدو شاحبا؟
وسألت: هل أنت مرهق؟
-على العكس، أنا مرتاح الآن أكثر من أيّ وقت مضى.
-أنت شاحب.
-هذا لوني الطبيعي.
-اقترب منّي، ضمّني إلى صدرك الدافئ، ألهب شفتيّ بنيران شفتيك.
-ليت بوسعي القيام بذلك، لا أقدر.
-لماذا؟ ماعدت تحبّني يا شارل؟!
-أحبّك، لذلك تركتك إلى الأبد؛ ماري، أنت أرقّ من أن تعيشي معي، امضي في طريقك من دوني.
-أضعتُ من عمري ألفا وخمسة وتسعين يوما لكي تصعقني بقرارك هذا! أين وعدك لي؟! أيّها الوغد!!
ااندفعت مسرعة لتصفعه، ولكن...أين هو؟.....مجرّد طيف؟!
-حبيبتي، قاتلتُ وكافحتُ وناضلتُ وأنتِ ما بارحتِ كياني ووجداني، ولكن اعذريني فأنا أحبّ بلادي أكثر، اضطررتُ لأن أقدّم روحي ودمي قربانا وبرهانا على حبّي وإخلاصي،
مهر تلك الحبيبة غالٍ يا ماري.
-شارل، أنتَ.....؟؟!
-لا، أنا وعدتُك أنّني سأبقى بجوارك، هيّا، هلمّي إلى الأرض واقبضي بأصابعك الناعمة على قبضة تراب، إنّها مرويّة بدمي؛ دونك الصليب، ضعيه على عنقك، آه! كم أتمنى أن أكون قطعة خشب تُقدّ فتغدو صليبا تضعينه على عنقك الناعمة!
*أغمضت عينيها وانسكبت الدموع حرّى على وجنتيها.
-ماري، لا تنسي أنّني أحببتك وأحبّك، ولكن مشكلتي أنّ لدي حبيبة ثانية، بلادي.
**اختفى شارل، ولكن الصليب خاصّته مازال في عنق ماري وهي تنظر إلى طيفه يلوّح لها....يبتسم.....ويختفي.