مكتبة منيرفا (الكشوف الجغرافية لامريكا)

الكشوف الجغرافية
في العصور الوسطى كانت أوروبا تضم عالمين تجاريين هما عالم المتوسط وعالم بحري البلطيق والشمال وكانا مرتبطين عن طريق ممرات جبال الألب ومضيق جبل طارق وقد أدى النشاط التجاري الصناعي إلى ازدهار مدن شمال أوروبا وغربها بيد أن سكان هذه المدن كانوا تحت رحمة الاضطرابات السياسية لذا عمدت مدن عديدة إلى تكوين اتحادات للمبادلة .
منذ أواخر العصور الوسطى ظهر ميل في معظم الدول الأوروبية نحو توطيد السلطة الملكية وتقوية المركزية وإضعاف القوى الإقطاعية وبدأت الحكومات تهتم بفتح الطرق وتوسيع المبادلات الاقتصادية لتوطيد السلطة المركزية وبدأت الأسواق في أوروبا تصبح أداة بيد السلطة الحاكمة وتحولت فكرة المنافسة من منافسة تجار إلى منافسة دول , ونشطت المبادلات ضمن الدول وأدى ذلك إلى عودة أوروبا إلى السير في النشاط الاقتصادي العالمي وبغض النظر عن أسباب عديدة أخرى فإن الاكتشافات الجغرافية قد حدثت بدوافع سياسية اقتصادية وهذه الاكتشافات لم تكن ثمرة مغامرين أو شركات وإنما الدولة هي قامت بها ولولا وجود السلطة القوية لما كان بإمكان المغامرين القيام بالاكتشافات الجغرافية .
كانت الطرق الرئيسة للتجارة هي طريق قارية وهو طريق الحرير وتسلكه القوافل ويصل الصين وآسيا الصغرى بالبحر الأسود وسورية وطريق بحرية طريق التوابل التي تذهب من الموانئ الصينية فسيلان فالبحر الأحمر ومنه إلى الاسكندرية وطريق بحرية برية تصل الخليج العربي ومنه يتفرع إلى فرعين : طريق الصحراء فبادية الشام أو إلى العراق فبادية الشام .

استطاع حكام الدول الشرقية التي تمر التجارة الشرقية بأراضيهم وبخاصة المماليك أن يجنوا أرباحاً كبيرة من الضرائب التي يفرضونها على التوابل والعطور العربية والعقاقير ولذا أصبح التخلص من دفع الضرائب الباهظة هدفاً اقتصادياً لا بد من تحقيقه والاتصال المباشر ببلاد الشرق , وفكر البنادقة بتحويل التجارة من المماليك بتنشيط الخليج العربي بالاتفاقات مع الصفويين لكنهم عدلوا عن فكرتهم خوفاً من المماليك لذا كان على سكان أوروبا الغربية أن يتخلصوا من الاحتكار العربي البندقي بالوصول مباشرة إلى البلاد المنتجة دون العبور بالمتوسط وعلاوة على ذلك كان الغرب يعاني في أواخر القرن الخامس عشر من أزمة اقتصادية وبحاجة إلى الذهب وبدت موارد المناجم في أوروبا لا تفي بالحاجة لأن الطلب يفوق العرض .
لقد كان من أهداف الكشوف الجغرافية البرتغالية تحويل المسلمين في غربي أفريقيا وغيرها من المناطق إلى المسيحية وكذلك تحويل أثيوبيا إلى المذهب الكاثوليكي وفصلها عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر .
إن السفن التي استخدمها كريستوف كولومبوس إلى العالم الجديد رفعت راية الصليب الأبيض راية حملات الفرنجة ولذا كانت هناك أسباب سياسية دينية بدأت في البرتغال وإسبانيا لمتابعة الصراع الإسباني المسيحي الإسلامي نتيجة لضعف المسلمين .
إن تقدم العلوم وبخاصة الرياضيات والفلك والملاحة البحرية ورسم المصورات الجغرافية ساعد الأوروبيين على الانطلاق في المحيطات وفي الوقت نفسه تقدمت وتطورت تقانات الاتجاه فالبوصلة المستوردة من الصين والأسطرلاب المأخوذ من العرب ساعد على الابتعاد عن الشواطئ وشق البحار المجهولة وكذلك تقدمت صناعة السفن إضافة لحركة الترجمة الواسعة التي بدأها الأوروبيون منذ القرن الثالث عشر لنقل الكتب العربية إلى اللاتينية وما ترجمه العرب من المؤلفات القديمة .
1- الكشوف البرتغالية :
إن حركة الاكتشافات الجغرافية التي قادتها البرتغال كانت حركة استعمارية بالدرجة الأولى وهي وليدة تفكير ناضج ودأب مستمر نفّذ بإدارة هنري الملاح الذكية أولاً , والبرتغال كدولة بحرية برزت منذ أواخر القرن الثالث عشر وبرغم كل القصص الخرافية فقد استطاع هنري 1394-1460م ابن الملك يوحنا الأول أن يكون مؤسس الكشف البحري .
بدأ التوسع البرتغالي في عام 1425م عندما تم احتلال مرفأ سبتة في المغرب و منه التقدم جنوباً في القارة الأفريقية وقد تركز البرتغاليون في شمال غربي السودان وجعلوه قاعدة لهم . كان هنري يتطلع إلى استكمال غزو بلاد المغرب وطرد المسلمين إلا أنه فشل في احتلال طنجة 1436م فحول جهوده لاحتلال الشواطئ المراكشية على المحيط الأطلسي وإخضاع أفريقيا الشمالية الغربية بدءاً من نهر السنغال والاستيلاء على بلاد غانا الغنية ونشر المسيحية فيها وبناء إمبراطورية برتغالية, وقد استعد هنري الملاح لغزواته فأسس أكاديمية للملاحة التي جذبت العديد من العلماء من مختلف الاختصاصات وزودها بالمراجع العلمية وبنى سفناً قوية وأرسل رحلات لأفريقيا لجلب الرقيق ودحض الخرافات وفي عهده تم إعادة استكشاف جزر مادير والأزورس ووصل البرتغاليون إلى مصب نهر السنغال وإلى الرأس الأخضر في منتصف الأربعينات ووصلوا أيضاً إلى غامبيا واستقروا بها وعثروا فيها على الذهب والعاج والتوابل .
بعد وفاة هنري توسعت حركة الكشف على يد ألفونسو الخامس عام ( 1460م- 1481 ) وتم اكتشاف جزيرة ( فرينا ندوبو ) واجتازوا خط الاستواء عام 1481 وفي عهد يوحنا ( 1481- 1495م ) تم إرسال حملتين إلى شاطئ أفريقيا الغربية.
الأولى : عام 1482 اكتشف فيها مصب نهر الكونغو .
الثانية : عام 1484 حيث تم الوصول فيها إلى خليج ( ولغز جنوباً ) وكانت أهم الحملات عام 1487م عندما قام ( برتليمو دياز ) برحلة بحرية وصل فيها إلى رأس الرجاء الصالح ومنه إلى المحيط الهندي ولكن دون الوصول إلى شاطئ الهند بسبب إرهاق بحارته وأصبح البرتغاليون أسياد الشاطئ الأفريقي على الأطلسي ولكن دون إن يحققوا غايتهم في الوصول إلى مملكة الأسقف جان وبدت البرتغال كأقوى دولة بحرية في العالم وفي عام 1497 قام فاسكو دي غاما برحلته الشهيرة مدعوماً من ملك البرتغال " عمانويل الأول " 1495- 1521م ووصل إلى الهند بطريق يدور حول أفريقيا وغادر لشبونة في 18 تموز 1497م حيث اجتاز رأس الرجاء الصالح ووصل في آذار 1498م إلى موانئ شرق أفريقيا وكانت هذه المواني غاصّة بالعرب فاستعان بأحد العرب كدليل ومرشد وهو الملاح العربي " شهاب الدين أحمد بن ماجد " للوصول إلى كاليكوت بساحل الملبار في 18أيار 1498م واتجه نحو كنانور وجوا في الشمال لكي لا يصطدم مع العرب لأنهم يتمتعون بنفوذ كبير في الملبار , ثم عاد وشحن سفنه بالسلع الشرقية ووصل إلى لشبونة عام 1499م وحاول سلطان مصر المملوكي التصدي له لكنه هزم في معركة ديو البحرية عام 1509م وامتد نشاط البرتغاليون إلى جزيرة مدغشقر وأثيوبيا وجزيرة سيلان وأقاموا علاقات مع الدولة الصفوية .
إن اكتشاف الطريق البحرية إلى الهند وجّه ضربة للعالم الإسلامي وللمدن الإيطالية وتحولت طرق التجارة من المتوسط إلى الأطلسي والهندي وتأثرت بدرجة كبيرة مصر وسوريا وجنوة والبندقية حيث خسرت موارد مالية كانت أساس الازدهار الاقتصادي .
أما البرتغال عملت على إنشاء قواعد استراتيجية فاستولت على قلعة حيا على الساحل الغربي للهند وعلى ميناء هرمز وعلى ملقة وبذلك سيطرت البرتغال على التجارة الشرقية.
2- الكشوف الإسبانية :
إن اكتشاف أمريكا من قبل اسبانيا صدفة حقيقية بفضل كريستوف كولومبس وبالتالي لم تترك اسبانيا البرتغال تسبقها في السياسة الاستعمارية دون أن تأخذ نصيبها , في آب 1492م خرج كولومبس في رحلته الأولى من ميناء بالوس وكانت الحملة تتألف من ثلاثة سفن تحمل الصلبان على أشرعتها وتقل 87 بحاراً ووصلت في 9 أب إلى جزر كناريا ثم اتجهت غرباً وفي 12 تشرين الأول ظهرت أمامهم الأرض فشاهدوا جزيرة يطلق عليها الأهالي اسم( جوانا هاني ) وفي27تشرين الأول نزل في كوبا وفي 1493م خرج كولومبوس في رحلته الثانية على رأس أسطول مؤلف من 17سفينة تنقل 2000 رجلاً وفي 2 تشرين الثاني وصلت الحملة إلى إحدى جزر "الأنتيل" وسماها كولومبس دومنيكا
بعد ذلك ارتاد شواطئ كوبا الجنوبي واكتشف جزيرة جاميكا وفي حزيران 1496م عادت الحملة إلى إسبانيا , في أيار 1498 قام كولومبس برحلته الثالثة من ميناء سان لوكار وشاهد أثناءها الساحل الشمالي لقارة أمريكا الجنوبية .
وفي عام 1502-1503م قام كولومبس برحلته الرابعة ونجح في التعرف على السواحل الشرقية لأمريكا الوسطى ولكنه فشل في تحقيق هدفه الرئيسي وهو الوصول إلى آسيا وتوفي قبل أن يعرف أنه اكتشف بلداً جديداً .
لقد أدت رحلات كولومبس إلى فتح الطريق الجديد إلى رحلات أخرى واستطاع الرحالون الجدد الوصول إلى البحر الكاريبي ومصب نهر الأمازون بأمريكا الجنوبية ومن هؤلاء الرحالة فزبوتشي الذي اكتشف ساحل فنزويلا 1499م وساحل البرازيل 1501م وعند عودته أعلن أن البلاد التي وصلها كريستوف كولومبس هي في الحقيقة قارة جديدة وليست الهند وسمي الكشف الجديد أمريكا .
ثم أرسل الإمبراطور شارلكان 1516-1556م الملاح البرتغالي ماجلان على أسطول يتكون من خمس سفن و234رجل مع مؤن تكفي لعامين للبحث عن الطريق الغربي للهند فوصل إلى ساحل البرازيل عند ري ودي جانيرو فمصب نهر لابلاتا , وفي 1520م تشرين الثاني دخل المحيط الذي سماه ماجلان الهادي ثم بلغ الفلبين في آذار 1521م ولكنه قتل في المعركة التي خاضها مع سكان البلاد , وكذلك خرج كورتيز من كوبا في 1519م ثم نزل ساحل المكسيك وأسس مدينة " فيراكورتيز " واستطاع عام 1521م أن يحتل بلاد المكسيك وأن يسحق حضارة أهلها وهم شعب الأزتيك وبذلك غدت الأزتيك تابعة للنفوذ الاسباني , بعد ذلك أسس الاسبان مركزاً لهم في بنما 1519م ثم احتلوا غواتيمالا والسلفادور والهندوراس وأسسوا عدة مدن جديدة في أمريكا الوسطى .
3- الكشوف الإنكليزية :
دخلت انكلترا ميدان الكشوف الجغرافية متأخرة , ولكنها استفادت من عمليات الكشوف البرتغالية والإسبانية في العالم الجديد أمريكا .
وكان لمشروع الملك الإنكليزي هنري السابع 1485-1509م أهمية خاصة فقد كلف الملك الملاح الإيطالي جون كابوت وأبناءه الثلاثة بمهمة البحث الجغرافي وفي أيار عام 1497م خرج كابوت من برستول في رحلة بحرية بسفينة واحدة وعليها ثمانية عشر بحاراً عبرت الأطلسي غرب إيرلندا .
وحولت خط سيرها غرباً حتى وصلت نيوفوندلاند , وفي عام 1498م أبحر كابوت مرة ثانية إلى أيسلندا ثم إلى جزيرة جرينلاند ثم إلى الشاطئ الشرقي لأمريكا الشمالية وفي عام 1509م قام سبستيان بن جون كابوت بالإبحار إلى ساحل لابرادور وعثر على مدخل خليج هدسون .
أما في فترة هنري الثامن 1509-1547م لم تهتم انكلترا بالكشف الجغرافي , لكن هوكنز قام بحملات تجارية على طوال سواحل غينيا من أجل الذهب والرقيق وفي عام 1553 قام ريتشارد تشانسلور برحلة على طول الساحل الشمالي لآسيا حتى بلغ المتوسط وشق منه طريقه إلى موسكو .
وتابع الإنكليز رحلاتهم في عهد الملكة اليزابيت 1558-1603م التي منحت في عام 1578م( السير هنري جلبرت ) امتياز يتضمن امتلاك وسكن جميع الأراضي البعيدة والوثنية التي لا يسكنها أي أمير مسيحي
وفي عهد حكومة جيمس الأول تأسست شركة لندن وشركة بليموث عام 1606م وكان لهاتين الشركتين الحق في توزيع الأراضي والدفاع عن المستعمرات وصك النقود واستغلال المناجم
4- الكشوف الفرنسية :
دخلت فرنسا ميدان الكشوف الجغرافية متأخرة بسب حرصها على بناء إمبراطوريتها في أوربا وليس في العالم الجديد ففي عام 1524م قام فيرازانو بأول رحلة إلى العالم الجديد ويهدف للوصول إلى الصين ولكنه فشل في إيجاد قناة مائية تؤدي إلى الصين .
وفي عهد لويس الثالث عشر أسس ريشيليو الوزير الفرنسي شركة لإدارة شؤون فرنسا الجديدة عام لكن ريشيليو شغل عن هذه المستعمرة لحروبه الداخلية لكن في عهد لويس الرابع عشر تغير الحال حيث قام كولبير بتعمير فرنسا الجديدة بعد أن زوّد بالموظفين والمستوطنين والأدوات الزراعية .
وفي عام 1673م استطاع لويس جولييه وماركت رسم خريطة لجزأ كبير من أعالي وادي المسيسبي وامتدت المستعمرات الفرنسية من كندا إلى نيوأورليانز في شكل هلال يحيط بالمستعمرات الإنكليزية على ساحل الأطلسي .
5- الكشوف الهولندية :
بالرغم من انشغال الهولنديين في ثورتهم ضد إسبانيا منذ عام 1566م قاموا بالكشوف الجغرافية ففي عام 1609م قام الملاح الإنكليزي هنري هدسون بتكليف من شركة الهند الشرقية الهولندية بإستكشاف ممر إلى آسيا ووصل إلى خليج نيويورك ونهر الهدسون الذي سمي بإسمه .
وبنتيجة رحلته أقام الهولنديين مركزا تجاريا في جزيرة مانهاتن ومحطة تجارية في موقع ألباني وسط النفوذ الهولندي في إقليم نهر الهدسون وكذلك نزل الهولنديون في جيانا بأمريكا الجنوبية واحتلوا جزء كبير من البرازيل لمدة 30 عام .
6- الكشوف الروسية :
شاركت روسية في الكشوف الروسية حيث كلف بطرس الأكبر الدانماركي (فتوس برنج) للتحقق من صدق وجود ممر بحري يفصل بين أقصى شمال شرق روسيا وشمال غرب أمريكا الأنكلوسكسونية ونجح برنج في اكتشاف المضيق البحري الذي يفصل أسيا وأمريكا وسمي المضيق بإسمه .
وأنشأ الروس قلعة إلى شمال سان فرانسيسكو وحجزوا لأنفسهم التجارة في الجزء الشمالي من المحيط الهادي سنة 1821م وكانت خشية الأمريكيين من التوسع الروسي في الجزء الشمالي من القارة الأمريكية أحد الأسباب الذي دفعت الرئيس مونرو إلى إصدار مبدأ مونرو , وقد بقيت ألاسكا إقليماً روسياً حتى عام 1847م عندما اشترته الولايات المتحدة الأمريكية من الحكومة الروسية بمبلغ 7,2 مليون دولار .

شكرا عالمعلومات

مكتبة مينيرفا

شكرا الك آية