(لاتثق بالصديق) - ابن المقفع (تحليل)

قسم الكاتب موضوعه إلى :

1 – مقدمة يقر من خلالها فكرة النص كله (إنكار وجود الصديق).
2 – الاحتجاج بأقوال جملة من مشاهير الصالحين (لتأكيد فكرته).
3 – تفصي الفكرة .
4 – الخاتمة .

التحليل :

قبل كلّ شيء ينبغي أن نثق بأنه لا صديق،ولا من يتشبّه بالصديق،

((نلحظ هنا تقديم الظرف على الفعل حيث أشعرنا بأهمية الجملة التي سيقولها وهو الوثوق بعدم وجود الصديق الذي نمنحه كامل محبتنا وصداقتنا، ولذلك يؤكد بالمؤكد (أن) هذه الجملة التي جعلها مفتاحاً للنص كله، وشنشعر فيما بعد أن النص كله ينطلق من هذه الفكرة)).

ولذلك قال جميل بن مرة في الزمان الأول حين كان الدين يعانق الإخلاص، والمروءة تتهادى بين الناس، وقد لزم قعر البيت، ورفض المجالس ، واعتزل الخاصة والعامة، وعوتب في ذلك، فقال: لقد صحبتُ الناس أربعين سنة فما رأيتهم غفروا لي ذنباً، ولا ستروا لي عيباً، ولا حفظوا لي غيباً،ولا أقالوا لي عثرة، ولا رحموا لي عبرة،ولا قبلوا مني عذرة، ولا فكّوني من أسرة،ولا جبروا مني كسرة ،ولا بذلوا لي نصرة،ورأيتُ الشغل بهم تضيعاًُ للحياة،وتباعداً من الله تعالى،وتجرعاً للغيظ مع الساعات ،وتسليطاً للهوى في الهنات بعد الهنات.

((وكيلا تكون الفكرة غريبةً مستهجنةً من العوام أو من الآخرين يعمد الكاتب للاحتجاج بأقوال الآخرين الني تدعم رأيه..
ونلحظ استخدام جميل بن مرة لأسلوب القسم (لقد) بلام القسم المحذوف فعلها وبالتوكيد بحرف التحقيق (قد) ليؤكد خلاصة نجربته في الصديق، وهو لا يريد القسم بل الإثبات لذلك استخدم هذا الأسلوب، وتتوالى الأفعال الماضية (صحبت- رأيت - ستروا ..) لأن الفعل الماضي خلاصة لما انطوت عليه التجارب، وهذه الفعال مدارها بيان عيوب الآخرين ممن وثق بهم هشام وخذلوه بل فضحوه، وهذا يفسر لنا عدم وثوقه بأي رجلٍ ممن حوله. وليبعد الشبهة عن رأيه ارتأى أن يجعل الصداقة مبعدةً عن عبادة الله تعالى، وهذا سبب وجيه برأيه لهجر الناس)).

ولذلك قال الثوري لرجل قال لهُ :أوصني، قال:أنكر من تعرفه،وقال:زدني،قال: لا مزيد.

((ويؤكد الكاتب ابن المقفع وجهة نظره بشاهدٍ آخر هو العالم سفيان الثوري، والذي يحمل على الإنكار ممن تعرفه، ولعلنا نلحظ لهجة الأمر في السائل وهو الذي فيه النصح والإرشاد، ويرد سفيان الثوري بالجمل الخبرية التقريرية)).

وكان ابن كعب يقول: لاخير في مخالطة الناس ،ولا فائدة في القرب منهم ،والثقة بهم والاعتماد عليهم .

((وشاهد ثالث على صحة وجهة النظر، والغرض من إتيان الشواهد تأكيد الفكرة، لأن إنكار الوثوق بالصديق غريب في عرف الناس، ولذا وجب الاحتجاج بمن يُحتج بهم )).

وإنما أمورهم جارية على القدرة، والقهر ،والهوى،والاستحلاء،والاستخفاف.

(( وبأسلوب القصر يقصر الكاتب أحوال الناس على الأمور البغيضة التي تأنف منها نفس المؤمن فالقهر هو من العواطف البغيضة، والهوى فيه نوع من الميل عن الحق، والاستخفاف بالآخرين. )).

أما خدَمهم وأولياؤهم فعلى غاية الشبه بهم ،ونهاية المشاكلة لهم ،لانتشابهم بهم ،وانتسابهم إليهم ،وولوع طورهم بما يصدر عنهم ،ويرد عليهم .
وأما أصحاب الضياع،فليسوا من هذا الحديث في عير ولا نفير .
وأما التجار فكسب الدوانيق سدّ بينهم وبين كلّ مروءة، وحاجزلهم عن كل ما يتعلّق بالفتوة.
وأما أصحاب الدين والورع فعلى قلّتهم فربما خلصت لهم الصداقة لبنائهم إياها على التقوى، وتأسيسها على أحكام الحرج،وطلب سلامة العقبى.
وأما الكتّابوأهل العلم فإنهم إذا خلوا من التنافس، والتحاسد ،والتماري، والتماحك فربما صحّت لهم الصداقة،وظهر منهم الرفاء، وذلك قليل، وهذا القليل من الأصل القليل .
وأما أصحاب المذاب والتطفيف فإنهم رجرجة بين الناس،ولا محاسن لهم فتذكر، ولا مخازي فتنشر،ولذلك قيل لهم همج،ورعاع،وأوباش ،ولفيف ،وزعانف،وداصة ،وداصة،وسقّاط ،وأنذال،وغوغاء ،لأنهم من دقّة الهمم ،وخساسة النفوس، ولؤم الطبائع على حال لا يجوز معها أن يكونوا في حومة المذكورين،وعصابة المشهورين.
فلهذه الأمور الحائلة عن مقارّها،الزائغة إلى غير جهاتها علل وأسباب لو نفس الزمان قليلاً لكنا ننشط لشرحها ،وذكر ما قد أتى النسيان عليه ، وعفّى أثره الإهمال ،وشغل عنه طلب القوت ،ومن أين يظفر بالغداء ، وإن كان عاجزاًعن الحاجة، وبالعشاء وإن كان قاصراً عن الكفاية ، وكيف يحتال في حصول طمرين للستر لا للتجمّل،وكيف يهرب من الشر المقبل، وكيف يهرول وراء الخير المدبر ،وكيف يستعان بمن لا يعين،ويشتكي إلى غير رحيم، ولكن حال الجريض دون القريض. ومن العجب والبديع أنا كتبنا هذه الحروف على ما في النفس من الحرق ،والأسف ، والحسرة،والغيظ ،والكمد،والومد...............
(( وبأسلوب التفصيل (أما) يفصل الكاتب بين :
أما خدَمهم وأولياؤهم ...
وأما أصحاب الدين والورع ...
وأما أصحاب المذاب والتطفيف ....

وغيرهم من أصناف الناس الذين – برأي الكاتب – أبعد ما يكونون عن الصدافة، فلكل فئةٍ اتجاه في حياتهم لا يؤهلهم ليكونوا محل صادقةٍ صادقةٍ.
ولهذا كله ينحى الكاتب على الصداقة ويأباها ويرفض وجودها، وهو اتجاه المتالم المعاني من الآخرين.

عفواً أخت آية نورتينا بمرورك