طريقة تحليل نصّ أدبيّ الشعر الجاهلي أنموذجاً

لم أستطع أن أودع المنتدى دون أن أفيد طلاب السنة الأولى
فهذه كيفية تحليل الجاهلي



لتحليل
النصّ الأدبيّ ثلاثةُ عناصر :


1)
المقدّمة : وهي توطئة للنصّ تكون بنبذةٍ موجزةٍ عن الشاعر لو عرفنا ، أو إعطاء
فكرة عامة عن الأبيات .


2)
العرض : وهو تحليل النص مع مراعاة المعطى النفسي للشاعر ، ويتكشف لنا من خلال
دراسة الجمل الخبرية ، والجمل الإنشائية ، وبيان دور الصور الخيالية ( البيان ) ،
والمغزى الجمالي للصور المذكورة ، وارتباط المحسنات البديعية بالنص والحالة
الشعورية ، ودراسة الموسيقا ودورها في النصّ .


3)
الخاتمة : إبداء الرأي في النصّ مع البرهنة والتدليل أو إيجاز لخطوات التحليل .


الدلالات
المسهمة في التحليل :


1-
علم المعاني : وله دورٌ كبيرٌ وأساسيٌّ في جلاء المعنى ، والغوص إلى أعماق الشاعر
.


+
الخبر : عموماً عندما يستهلّ الشاعر بجملةٍ خبريّةٍ نقول :


"
افتتح الشاعر أبياته بجملةٍ تقريريةٍ " .


ثمّ
نفصّل نوعها :


- فالجملة الاسميّة تفيد الثبوت ، فقول الشاعر
طرفة في معلقته ( لخولةَ أطلالٌ ) : إثبات لصدق الطلل بالمحبوبة ( خولة ) .


- والجملة الفعلية تفيد :


1- إنْ بدأت بماضٍ فتدلُّ على الانصرامِ
والانقطاع ، فقول لبيدٍ في معلقته : ( عفتِ الديارُ ) انصرامٌ للديار عن حال
الحياة ، ومضيٌّ على هذه الحال ، وانقطاع عن الخصبِ .


2- وإنْ بدأت بمضارعٍ
فتدلُّ على التجدُّد والاستمرار ، فقول طرفة : " تلوحُ كباقي الوشمِ "
تجدُّد لانمحاء الديار واستمرار لحال عميّها كبقايا الوشمِ .





+ الإنشاء : انفعالٌ واضطرابٌ نفسيٌّ وقلقٌ ، وصيحة حزنٍ ، فحين
يبدأ عنترة معلقته بقولِهِ : " هل غادر الشعراءُ ) يحمل اضطراباً نفسيّاً في
سؤالٍ لمغادرة الشعراء ..


-
والنداء عند النابغة : ( يا دارَ ميَّةَ ... ) صرخةٌ في وجهِ الإقفار ، وحزن على
الفراق ، واستحضار للغائب أمام مرآة الذهنِ .


-
والأمر عند امرئ القيس ( قفا نبكِ ) التماسٌ يوحي بحزنٍ دفينٍ ، وخوفٍ مبعثهُ
القلق من فاجعة الحزن الذي ستسببه ذكرى المحبوبة ..


+
وللإنشاء دلالات أخرى تُعرف من سياق النصّ .


وفي
المعاني جوانب أخرى :


-
كالتنكير الذي يوحي بالتعظيم أو التحقير أو الخفاء ، فمثلاً يقول امرؤ القيس :
" من ذكرى حبيبٍ " الحبيب هنا نكرة إمّا لتعظيم شأنهِ ، وإمّا للتقرب
والتحبب منه .


ويقول
زهير : " أمن أمِّ أوفى دمنةٌ " يوحي التنكير بخفاء المعالم .


-
والتقدير والتأخير له دلالات كالتخصيص والتحبب وذكر ما هو أهم أولاً ، ومعانٍ
تُستفاد من قرائن الكلام ، فحين يقول امرؤ القيس : " فهل عند رسمٍ دارسٍ من
معوّلِ ؟ " قدّم الظرف (عند) المتعلق بالخبر المحذوف على المبتدأ ( معوّل )
المجرور بالحرف الزائد ، يحمل تحبُّباً ومناجاةً لوجود المعوَّل عند الرسمِ .


2-
علم البيان : معظم صور الشعراء حسية مادية ، وقليلاً ما هي معنوية ، سواءٌ أكانت
تشبيهاً أم استعارةً ، ويتخفى وراء الصور إحساس الشاعر .. ودورنا في التحليل ربط
دلالة الصورة بالمعنى والحالة النفسية ، فعندما يقول طرفة : ( تلوح كباقي الوشمِ
في ظاهر اليدِ ) تحمل الصورة التشبيهية دلالة حزن عميقة ، فهذه الديار انمحت
معالمها ولم يبقَ منها إلاّ بقايا ، تشبه آثار الوشمِ ، فالحزن لما آل عليه حال
الديار ، وقد جسَّده التشبيه .


3-
المحسنات البديعية : كانت عفو الخاطر عند الشعراء ، ولكنها أسهمت في بيان الحالة
النفسية عند الشاعر .


فالطباق
في قولِ عبيد بن الأبرص : " وكلُّ ذي غيبةٍ يؤوبُ " أوحى بمعنى الفقْدِ
الذي يشعره الشاعر .


والجناس
في قولِ ( الأفوه الأودي ) :


وأقطعُ الهَوْجلَ
مستأنساً بهَوْجلٍ عيرانةٍ عنتريْسِ


الهوجل
الأولى : الأرض البعيدة ، والثانية : الناقة العظيمة .


فالجناس
أدّى معنى الاستئناس وإبعاد الوحشةِ .


4-
الموسيقا :


+
إن وزن البحر العروضي يساعد في بيان الحالة النفسية ، وأشهر البحور :


الطويل
... يفيد استغراق الشاعر لكلّ عناصر حالته ووصفه ..


والبسيط
.. يفيد تبسيط الشاعر لحالته ، وبسط مفرداتها ..


والكامل
.. يفيد على اكتمال الحالة النفسية ..


والوافر
.. يدا على توافر عناصر الحزن أو الفرح ..


+
والمدات الصوتية الطويلة مثل ( يا .. دا .. كي .. لو ) أنَّات حزنٍ وألمٍ ، أو
صيحات فرحٍ وابتهاجٍ ، فقول امرئ القيس : ( قفا نبكِ من ذكرى ) ( فا ) و ( رى )
صيحة حزنٍ ودمعة بكاء.


+
والمدات الصوتية القصيرة تفيد الحركة النفسية أو المادية ، فقول امرئ القيس :
" مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ معاً " هذه المدات التي قطعها التنوين توحي
بحركة الحصان المتلاحقة .


+
وللروي دورٌ في رسم التحليل ... فالكسرة أو المشبعة بالياء حزن وانكسار للنفس ،
والضم أو المشبع بالياء سموٌّ وارتفاعٌ ، والفتح أو المشبع بالألف انتصاب للحالة
النفسيّة على هيئة معينة .


-
وبعد ذلك كلّه يخضع التحليل لفهم النص ، والغوص وراء الحالة النفسية للشاعر ، ثمّ
نخضع المهارات السابقة لتحليلنا .








بناء
القصيدة الجاهلية


1- الوقفة الطللية :
عامل الموتِ المعشّش في ثنايا الديار المهجورة ، يبعثه ذكرى المحبوبة حين كانت
الديار عامرةً بالحياة ، ولذا تصطبغ حالة الشاعر بالحزن والأسى الدفين ، ويحاول أن
يضفي على الديار الحياة والانبعاث من خلال استيطان الحيوانات أو نمو النبات فيها ،
ويلقي التحية عليها وهو يعلم أنّها جمادٌ ولكن يقصد من ذلك أنس المحبوبة العامر في
أطنابها .


وتعداد
الأسماء للأماكن رسم للصورة الواقعية ، فهذه الحدود المكانية إيحاء بواقعية الحدث
، وتصويرهم لها بالوشمِ أو الكتابة أو الزخرفة تعبير عن جبهم لها ورغبتهم في
إحيائها بعد موتها ، مشهد الطلل دال على الإقفار والعجز والهجر والقحط والمرارة
والانكسار ... كل هذه الدلالات تنتقل إلى عُرض الرحلة .


2- الرحلة : سعي
وراء المحبوبة ، وبيان لقومها الذين ارتحلوا وراء الماء ، فإقفار الديار موتٌ ، يقابله الماء وهو حياة ..


ورحلة
الظعائن تتصف ببطء الحركة أمام عين الشاعر لتزيد من همومه وأحزانه ، واستغراقه في
وصف الهوادج وكل ما يتعلق بها تكثيف لحالة الحزن ، ولعله انشغال من الشاعر عن حالة
الحزن..


وارتحال
الشاعر كسر لحالة العجز والموت على الديار ، ومحاولة للعودة إلى التاريخ المشرق ،
تاريخ المحبوبة .


لذا
يصف الشاعر ناقته أو فرسه بكل صفات القوة والسرعة لتكون قادرة على القيام به في
هذه الرحلة الطويلة .


3- قصة البقرة الوحشية :


ليثبت
الشاعر لناقته صفات القوة والمتانة يشبهها بالبقرة الوحشية التي كانت مع القطيع ،
ثم تأخر ابنها عن القطيع فافترسته الذئاب التي تلاحق القطيع دون أن تجرؤ على
مهاجمته ، وحين تكشف البقرة التي تلاحق القطيع دون أن تجرؤ على مهاجمته ، وحين
تكشف البقرة غياب وليدها ، تنفصل للبحث عنه ، فتلاحقها الذئاب ولا تحاول الهجوم
عليها خوفاً من قوتها ، ولتنفرد بها ، ويبالغ الشاعر في جعل كل عناصر الطبيعة
كالمطر والرعد تُحدق بها من كلّ حدبٍ وصَوْبٍ ، لتدرك البقرة الحقيقية المرّة من
آثار الدماءِ ، ألا وهي موت وليدها ، فتقفل راجعة للقطيع وكيلا تفلت الفرصة
تهاجمها الذئاب ، حينها تلتهم البقرة بهم وتمعن قتلاً بهم بقرنيها ، لتنتصر في
النهاية وتغالب أحزانها ، وهنا دلالتان :


1-
نصرها = قوتها وبالتالي قوة الناقة القادرة على مغالبة صعاب الرحلة .


2-
نصرها = انتصار على أحزانها ، وانتصار للشاعر على الأحزان التي راودته على الأطلال.


4- قصة الثور الوحشي :
يتيهُ عن بقية القطيع لسببٍ ما ، وحين يدركه الليل الدال على الوحشة والموتِ ،
تداهمه الأمطار فيلجأ إلى جذع شجرةٍ ، فيصوّر الشاعر بياضه المناقض للسواد ، إمعاناً من الشاعر في جعله فريسة سهلة
للذئاب ، لكنه يهاجمها بضراوةٍ وينتصر عليها ، تأكيداً لقوة الناقة ، وتغلب الشاعر
على أحزانه .


ملاحظة
: وقد تُهزم البقرة أو الثور ، دلالة على استسلام
الشاعر لأحزانه ، ويحدث ذلك في قصائد الرثاء غالباً .


5- الوصف :


ويتعدد
كوصف المحبوبة وإبراز مفاتنها كنايةً عن حاجته الروحية لها ، ولاسيَّما أنها
مرتبطة بالطلل.


أو
وصف الليل وما يوحي سواده بالانهزام والكآبة والحزن ، أو وصف الفرس أو الخيل أو
الإبل وحينها يضفي الشاعر صفات جسديةٍ كثيرة. ويبدي تعلقه بها لأنها رفيقته في
رحلة الصحراء .


أو
وصف المطر الغزير وما يخلفه من سيلٍ كنايةً عن توافر الحزن والبكاء في نفس الشاعر
.


6- الغرض الرئيس : كالمدح
أو الهجاء ...


وكل
أوصاف الشعراء وأخيلتهم مستمدة من البيئة الصحراوية .








انتهت