الليل عند شعراء الجاهلية

الليلُ في الشعر الجاهليِّ مستودعٌ فنِّيٌّ وأفكارٌ ترتبطُ بالتفكُّرِ في المصيْرِ والوقوعِ في غياهبِ المجهولِ لنفسٍ مليئةٍ بالأحزانِ، فيغدو ليلاً نفسياً ثقيلاً على النفسِ والشعورِ، وهو من أكثَر الصور الحسيةِ التِي تتحمَّلُ أعباء النفس وأحزانَها، ويكتسبُ أبعاداً ترتبطُ بأفكارٍ سوداءَ فيرمزُ للهلاك، يقولُ الأعشى:

أَلَـمْ تَروا إرماً وعـاداً ** أودَى بِها الليلُ والنَّهارُ

كما ارتبط بتغيُّرِ الأحوالِ، كقولِ عُبيْدِ بن الأبرصِ في تصوير مأساةِ الإنسانِ الذي تباغته الليالِي فتسرق منه السعادةَ:

بِما قدْ أرى الْحيَّ الْجميْعَ بِغبطةٍ ** بِها والليالِي لا تدومُ علَى حالِ

ومن الأفكار كون الليل تَجسيداً لقوةِ الملكِ النعمانَ مقابل خوفِ الشاعرِ النابغة ِالذبيانِي حيثُ شبَّه الملكَ بالليلِ القادرِ:

فإنَّكَ كالليلِ الذي هوَ مُدركِي ** وإنْ خلْتُ أنَّ المنتأَى عنكَ واسِعُ

وتُصوِّرُ بعضُ المشاهد الشعرية الليل الأسود بوصفهِ باعثَ الأحزانِ والهمومِ، فهو تعبيْرٌ عن معاناةِ النفس الشاعرة اليائسة المُحبطة، يقولُ امرؤ القيسِ:

وليلٍ كموجِ البحرِ أرخى سدولهُ ** عليَّ بأنواعِ الهمومِ ليبتَـلي
فقلْتُ لهُ لَمَّا تَـمطَّى بِصُلـبِـهِ ** وأردفَ أعجازاً وناءَ بِكلْكَلِ
ألا أيُّها الليلُ الطويلُ ألا انْجَـلِ ** بَصْبِحٍ وما الإصْباحُ منكَ بأمثَلِ

ومنْ مشاهدِ الليلِ في الشعرِ الجاهليِّ صورتُهُ جاثِماً على قلبِ الشاعرِ، فكأنَّ نُجومهُ ربطتْ بِحبالٍ ثخيْنةٍ إلَى جبالٍ صخريَّةٍ عملاقةٍ، يقولُ امرؤ القيسِ:

فيَـا لَكَ مِنْ ليلٍ كأنَّ نُجومـَهُ ** بِكُلِّ مغارِ الفتْلِ شُدَّتْ بِيَذْبُلِ
كـأنَّ الثُّريَّا عُلِّقَتْ فِي مَصَامِها ** بأمراسٍ كتَّانٍ إلَى صُمِّ جَنْدلِ

واللافت أنَّ مشاهدَ الليلِ في الشعرِ الجاهليِّ تَخلو من صور السعادةِ والاطمئنانِ، كما لم يصورِ الشعراءُ الجاهليـونَ ليالي العشَّاقِ الهادئةِ، وصورةُ الليلِ صورةٌ فنيةٌ حسيَّةٌ تَموجُ بأبعادٍ نفسيَّةٍ تُعبِّرُ عن نفسٍ أشقاها الهمُّ والألمُ فتكونُ صورة الليلِ انعكاساً لَها.

شكرا للأعضاء يلي عملو هيك منتدى مشان انضيف مواضيع مفيدة للطلاب